24- ما حالة الحياة الدنيا في روعتها وبهجتها ، ثم في فنائها بعد ذلك ، إلا كحالة الماء ينزل من السماء ، فيختلط به نبات الأرض ، مما يأكله الناس والحيوان ، فيزدهر ويثمر وتزدان به الأرض نضارة وبهجة ، حتى إذا بلغت هذه الزينة تمامها ، وأيقن أهلها أنهم مالكون زمامها ومنتفعون بثمارها وخيراتها ، فاجأها أمرنا بزوالها فجعلناها شيئاً محصوداً ، كأن لم تكن آهلة بسكانها وآخذة بهجتها من قبل ، ففي كلتا الحالتين نضارة وازدهار يبتهج بهما الناس ، ثم يعقبهما زوال ودمار ، وكما بيَّن الله ذلك بالأمثال الواضحة ، يبيِّن الآيات ويفصل ما فيها من أحكام وآيات لقوم يتفكرون ويعقلون{[91]} .
{ 24 ْ } { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ْ }
وهذا المثل من أحسن الأمثلة ، وهو مطابق لحالة الدنيا ، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا ، فإذا استكمل وتم اضمحل ، وزال عن صاحبه ، أو زال صاحبه عنه ، فأصبح صفر اليدين منها ، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها .
فذلك { كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ْ } أي : نبت فيها من كل صنف ، وزوج بهيج { مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ْ } كالحبوب والثمار { و ْ } مما تأكل { الْأَنْعَامِ ْ } كأنواع العشب ، والكلأ المختلف الأصناف .
{ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ْ } أي : تزخرفت في منظرها ، واكتست في زينتها ، فصارت بهجة للناظرين ، ونزهة للمتفرجين ، وآية للمتبصرين ، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضر ، وأصفر ، وأبيض وغيره .
{ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ْ } أي : حصل معهم طمع ، بأن ذلك سيستمر ويدوم ، لوقوف إرادتهم عنده ، وانتهاء مطالبهم فيه .
فبينما هم في تلك الحالة { أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ْ } أي : كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا ، سواء بسواء .
{ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ ْ } أي : نبينها ونوضحها ، بتقريب المعاني إلى الأذهان ، وضرب الأمثال { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ْ } أي : يعملون أفكارهم فيما ينفعهم .
وأما الغافل المعرض ، فهذا لا تنفعه الآيات ، ولا يزيل عنه الشك البيان .
ولما ذكر الله حال الدنيا ، وحاصل نعيمها ، شوق إلى الدار الباقية فقال :
ضرب [ تبارك و ]{[14160]} تعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها ، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بما أنزل{[14161]} من السماء من الماء ، مما يأكل الناس من زرع{[14162]} وثمار ، على اختلاف أنواعها وأصنافها ، وما تأكل{[14163]} الأنعام من أب وقَضْب وغير ذلك ، { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا } أي : زينتها الفانية ، { وَازَّيَّنَتْ } أي : حَسُنت بما خرج من{[14164]} رُباها من زهور نَضِرة مختلفة الأشكال والألوان ، { وَظَنَّ أَهْلُهَا } الذين زرعوها وغرسوها{[14165]} { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا } أي : على جَذاذها وحصادها فبيناهم{[14166]} كذلك إذ جاءتها صاعقة ، أو ريح بادرة ، فأيبست أوراقها ، وأتلفت ثمارها ؛ ولهذا قال تعالى : { أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا } {[14167]} أي : يبسا بعد [ تلك ]{[14168]} الخضرة والنضارة ، { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ } أي : كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك .
وقال قتادة : { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ } كأن لم تنعم .
وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن ؛ ولهذا جاء في الحديث{[14169]} يؤتى بأنعم أهل الدنيا ، فيُغْمَس في النار غَمْسَة ثم يقال له : هل رأيت خيرًا قط ؟ [ هل مر بك نعيم قط ؟ ]{[14170]} فيقول : لا . ويؤتى بأشد الناس عذابًا في الدنيا{[14171]} فيغمس في النعيم غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول : لا " {[14172]}
وقال تعالى إخبارًا عن المهلكين : { فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } [ هود : 94 ، 95 ] .
ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ } أي : نبين الحُجج والأدلة ، { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعًا مع اغترارهم بها ، وتمكنهم{[14173]} بمواعيدها وتَفَلّتها{[14174]} منهم ، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها ، وقد ضرب الله مثل الحياة الدنيا بنبات الأرض ، في غير ما آية من كتابه العزيز ، فقال في سورة الكهف : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } [ الكهف : 45 ] ، وكذا في سورة الزمر{[14175]} والحديد{[14176]} يضرب بذلك مثل الحياة الدنيا كماء .
وقال ابن جرير : حدثني الحارث{[14177]} حدثنا عبد العزيز ، حدثنا ابن عُيَيْنَةَ ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : سمعت مروان - يعني : ابن الحكم - يقرأ على المنبر :
" وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان الله ليهلكها{[14178]} إلا بذنوب أهلها " ، قال : قد قرأتها وليست في المصحف فقال عباس بن عبد الله بن عباس : هكذا يقرؤها ابن عباس . فأرسلوا إلى ابن عباس فقال : هكذا أقرأني أبيّ بن كعب . {[14179]} وهذه قراءة غريبة ، وكأنها زيادة للتفسير .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالأنْعَامُ حَتّىَ إِذَآ أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُهَآ أَنّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها مع ما قد وكل بذلك من التكدير والتنغيص وزواله بالفناء والموت ، كَمثل ماءٍ أنْزَلْنَاهُ مِنَ السّماءِ يقول : كمطر أرسلناه من السماء إلى الأرض ، فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ يقول : فنبت بذلك المطر أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخُراساني ، عن ابن عباس ، قوله : إنّمَا مَثَلُ الحَياةِ الدّنْيَا كمَاء أنْزَلْنَاهُ مِنَ السّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ قال : اختلط فنبت بالماء كل لون مِمّا يأْكُلُ النّاسُ كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار ، وما يأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي .
وقوله : حتى إذَا أخَذَت الأرْضُ زُخْرُفَها يعني : ظهر حسنها وبهاؤها . وَازّيّنَتْ يقول : وتزينت . وَظَنّ أهْلُها يعني : أهل الأرض ، أنّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا يعني : على ما أنبتت . وخرج الخبر عن الأرض ، والمعنى للنبات ، إذا كان مفهوما بالخطاب ما عنى به . وقوله : أتاها أمْرُنا لَيْلاً أوْ نَهارا يقول : جاء الأرض أمرنا يعني قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات إما ليلاً وإما نهارا . فَجَعَلْناها يقول : فجعلنا ما عليها ، حَصِيدا يعني مقطوعة مقلوعة من أصولها ، وإنما هي محصودة صرفت إلى حصيد ، كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ يقول : كأن لم تكن تلك الزروع والنبات على ظهر الأرض نابته قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس ، وأصله : من غني فلان بمكان كذا ، يَغْنَى به : إذا أقام به ، كما قال النابغة الذبياني :
غَنِيَتْ بذلكَ إذْ هُمُ لي جِيرَة *** مِنْها بعَطْف رِسالَةٍ وَتَوَدّدِ
يقول : فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخارفها ، فيفنيها ويهلكها كما أهلك أمرنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها حتى صارت كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ كأن لم تكن قبل ذلك نباتا على ظهرها . يقول الله جلّ ثناؤها : كَذلكَ نُفَصّلُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول : كما بينا لكم أيها الناس مثل الدنيا وعرّفناكم حكمها وأمرها ، كذلك نبين حججنا وأدلتنا لمن تفكر واعتبر ونظر . وخصّ به أهل الفكر ، لأنهم أهل التمييز بين الأمور والفحص عن حقائق ما يعرض من الشبه في الصدور .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : حتى إذَا أخَذَتِ الأرْضُ زُخُرُفَها . . . الآية : أي والله لئن تشبث بالدنيا وحدب عليها لتوشكن الدنيا أن تلفظه وتقضى منه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَازّيّنَتْ قال : أنبتت وحسنت .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الرحمن ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، قال : سمعت مروان يقرأ على المنبر هذه الآية : حتى إذَا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرَفَها وَازّيّنَتْ وَظَنّ أهْلُها أنّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها . قال : قد قرأتها ، وليست في المصحف ، فقال عباس بن عبد الله بن العباس : هكذا يقرؤها ابن عباس . فأرسلوا إلى ابن عباس فقال : هكذا أقرأني أُبيّ بن كعب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ يقول : كأن لم تَعِشْ ، كأن لم تنعم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : أبو أسامة ، عن إسماعيل ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : في قراءة أبيّ : كأنْ لَمْ تَغْنَ بالأَمْسِ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها . كذلكَ نُفَصّلُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَازّيّنَتْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق : وَازّيّنَتْ بمعنى : وتزينت ، ولكنهم أدغموا التاء في الزاي لتقارب مخرجيهما ، وأدخلوا ألفا ليوصل إلى قراءته ، إذا كانت التاء قد سكنت والساكن لا يبتدأ به . وحُكى عن أبي العالية وأبي رجاء والأعرج وجماعة أخر غيرهم أنهم قرءوا ذلك : «وأزْيَنَتْ » على مثال أفْعَلَتْ .
والصواب من القراءة في ذلك : وَازّيَنَتْ لإجماع الحجة من القرّاء عليها .
المعنى : { إنما مثل } تفاخر الحياة الدنيا وزينتها بالمال والبنين إذ يصير ذلك إلى الفناء كمطر نزل من السماء { فاختلط } ووقف هنا بعض القراء على معنى ، فاختلط الماء بالأرض ثم استأنف به { نبات الأرض } على الابتداء والخبر المقدم ، ويحتمل على هذا أن يعود الضمير في { به } على «الماء » أو على «الاختلاط » الذي يتضمنه القول{[6074]} . ووصلت فرقة فرفع «النباتُ » على ذلك بقوله { اختلط } أي اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء ، وقوله { مما يأكل الناس } ، يريد الزروع والأشجار ونحو ذلك ، وقوله { والأنعام } يريد سائر العشب المرعي ، و { أخذت الأرض } ، لفظة كثرت في مثل هذا كقوله { خذوا زينتكم }{[6075]} و «الزخرف » التزين بالألوان ، وقد يجيء الزخرف بمعنى الذهب إذ الذهب منه ، وقرأ مروان بن الحكم وأبو جعفر والسبعة وشيبة ومجاهد والجمهور : { وازينت } أصله : تزينت سكنت التاء لتدغم فاحتيج إلى ألف الوصل وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبيّ بن كعب «وتزينت » وهذه أصل قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن وأبو العالية والشعبي وقتادة ونصر بن عاصم وعيسى «وأزينت » على معنى حضرت زينتها كما تقول أحصد الزرع ، «وأزينت » على مثال أفعلت{[6076]} وقال عوف بن أبي جميلة : كان أشياخنا يقرؤونها «وازيانت » النون شديدة والألف ساكنة قبلها{[6077]} ، وهي قراءة أبي عثمان النهدي ، وقرأت فرقة «وأزيأنت » وهي لغة منها قول الشاعر [ ابن كثير ] : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** إذا ما الهوادي بالغبيطِ احْمأرَّتِ{[6078]}
وقرأت فرقة «وازاينت » والمعنى في هذا كله ظهرت زينتها ، وقوله { وظن أهلها } على بابها{[6079]} . والضمير في { عليها } عائد على { الأرض } ، والمراد ما فيها من نعمة ونبات ، وهذا الكلام فيه تشبيه جملة أمر الحياة الدنيا بهذه الجملة الموصوفة أحوالها ، و { حتى } غاية وهي حرف ابتداء لدخولها على { إذا } ومعناها متصل إلى قوله { قادرون عليها } ، ومن بعد ذلك بدأ الجواب ، والأمر الآتي واحد الأمور كالريح والصر والسموم ونحو ذلك ، وتقسيمه { ليلاً أو نهاراً } تنبيه على الخوف وارتفاع الأمن في كل وقت ، و { حصيداً } : فعيل بمعنى مفعول وعبر ب «حصيد » عن التالف الهالك من النبات وإن لم يهلك بحصاد ، إذ الحكم فيهما وكأن الآفة حصدته قبل أوانه ، وقوله { كأن لم تغن } أي كأن لم تنعم ولم تنضر ولم تغر بغضارتها وقرأ قتادة « » يغن «بالياء من تحت يعني الحصيد وقرأ مروان » كأن لم تتغن «بتاءين مثل تتفعل{[6080]} والمغاني المنازل المعمورة ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]
وقد نغنى بها ونرى عصوراً*** بها يقتدننا الخرد الخذالا{[6081]}
وفي مصحف أبي بن كعب «كأن لم تغن بالأمس وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل الآيات » ، رواها عنه ابن عباس ، وقيل : إن فيه «وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها »{[6082]} ، وقرأ أبو الدرداء «لقوم يتذكرون » ومعنى الآية التحذير من الاغترار بالدنيا ، إذ هي معرضة للتلف وأن يصيبها ما أصاب هذه الأرض المذكورة بموت أو غيره من رزايا الدنيا ، وخص «المتفكرين » بالذكر تشريفاً للمنزلة وليقع التسابق إلى هذه الرتبة .