ثم أعاد تعالى أنه { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } ليرتب عليه قوله : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } نفقة واجبة ، أو مستحبة ، على قريب ، أو جار ، أو مسكين ، أو يتيم ، أو غير ذلك ، { فَهُوَ } تعالى { يُخْلِفُهُ } فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق ، بل وعد بالخلف للمنفق ، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر { وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } فاطلبوا الرزق منه ، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها .
وقوله : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي : بحسب مَا لَه في ذلك من الحكمة ، يبسط على هذا من المال كثيرا ، ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدًا ، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره ، كما قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا } [ الإسراء : 21 ] أي : كما هم متفاوتون في الدنيا : هذا فقير مدقع ، وهذا غني مُوَسَّع عليه ، فكذلك هم في الآخرة : هذا في الغُرفات في أعلى الدرجات ، وهذا في الغَمرَات في أسفل الدركات . وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح مَنْ أسلم ورُزق كَفَافا ، وقَنَّعه الله بما آتاه " . رواه مسلم من حديث ابن عَمْرو . {[24379]}
وقوله : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي : مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم ، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ، كما ثبت في الحديث{[24380]} : يقول الله تعالى : أنْفق{[24381]} أنْفق عليك " {[24382]} . وفي الحديث : أن ملكين يَصيحان كل يوم ، يقول أحدهما : " اللهم أعط مُمْسِكا تَلَفًا " ، ويقول الآخر : " اللهم أعط منفقا خَلَفًا " {[24383]} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " {[24384]} .
وقال{[24385]} ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد العزيز الطلاس ، حدثنا هُشَيْم عن الكوثر بن حكيم ، عن مكحول قال : بلغني عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعدكم{[24386]} زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يده{[24387]} حذار الإنفاق " . ثم تلا هذه الآية : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ }{[24388]}
وقال{[24389]} الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا روح بن حاتم ، حدثنا هُشَيم ، عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال : بلغني عن حذيفة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يديه حذار الإنفاق " ، قال الله تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ } ، وَيَنْهَل شرار الخلق يبايعون كل مضطر ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، [ ألا إن بيع المضطرين حرام ]{[24390]} المسلم أخو المسلم . لا يظلمه ولا يخذله ، إن كان عندك معروف ، فَعُد به على أخيك ، وإلا فلا تَزده هلاكا إلى هلاكه " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفي إسناده ضعف . {[24391]}
وقال سفيان الثوري ، عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال : قال مجاهد : لا يتأولن أحدكم هذه الآية : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهَ } : إذا كان عند أحدكم ما يقيمه فليقصد فيه ، فإن الرزق مقسوم .
قُلْ إنّ رَبّي يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من خَلْقه ، فيوسعه عليه تكرمة له وغير تكرمة ، ويَقْدِر على من يشاء منهم فيضيقه ويقتره إهانة له وغير إهانة ، بل مِحنة واختبارا وَما أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ يقول : وما أنفقتم أيها الناس من نفقة في طاعة الله ، فإن الله يخلفها عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير وَما أنْفَقْتُمْ منْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ قال : ما كان في غير إسراف ولا تقتير .
وقوله : وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ يقول : وهو خير من قيل إنه يَرْزُق ووُصِف به ، وذلك أنه قد يوصف بذلك من دونه ، فيقال : فلان يَرزُق أهله وعياله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.