المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

57- والله - سبحانه وتعالى وحده - هو الذي يطلق الرياح مبشرة برحمته في الأمطار التي تنبت الزرع وتسقى الغرس ، فتحمل هذه الرياح سحاباً{[67]} محملا بالماء ، نسوقه لبلد لا نبات فيه ، فيكون كالميت الذي فقد الحياة ، فينزل الماء ، فينبت الله به أنواعاً من كل الثمرات ، وبمثل ذلك الإحياء للأرض بالإنبات نخرج الموتى فنجعلهم أحياء لعلكم تتذكرون بهذا قدرة الله وتؤمنون بالبعث .


[67]:تقرر هذه الآية حقيقة علمية لم تكن معروفة عند نزول القرآن الكريم وهي أن الرياح تحمل بخار الماء وعند إرسالها أي إطلاقها تتجمع في صعيد واحد فتكون السحب وتثيرها وهي السحب الثقيلة التي ينهمر منها الماء.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

{ 57 - 58 } { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

يبين تعالى أثرا من آثار قدرته ، ونفحة من نفحات رحمته فقال : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي : الرياح المبشرات بالغيث ، التي تثيره بإذن اللّه من الأرض ، فيستبشر الخلق برحمة اللّه ، وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله .

{ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ } الرياح { سَحَابًا ثِقَالًا } قد أثاره بعضها ، وألفه ريح أخرى ، وألحقه ريح أخرى { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } قد كادت تهلك حيواناته ، وكاد أهله أن ييأسوا من رحمة اللّه ، { فَأَنْزَلْنَا بِهِ } أي : بذلك البلد الميت { الْمَاءُ } الغزير من ذلك السحاب وسخر اللّه له ريحا تدره وتفرقه بإذن اللّه .

{ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } فأصبحوا مستبشرين برحمة اللّه ، راتعين بخير اللّه ، وقوله : { كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : كما أحيينا الأرض بعد موتها بالنبات ، كذلك نخرج الموتى من قبورهم ، بعد ما كانوا رفاتا متمزقين ، وهذا استدلال واضح ، فإنه لا فرق بين الأمرين ، فمنكر البعث استبعادا له - مع أنه يرى ما هو نظيره - من باب العناد ، وإنكار المحسوسات .

وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في آلاء اللّه والنظر إليها بعين الاعتبار والاستدلال ، لا بعين الغفلة والإهمال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

لما ذكر تعالى أنه خالق{[11836]} السموات والأرض ، وأنه المتصرف الحاكم المدبِّر المسخِّر ، وأرشد إلى دعائه ؛ لأنه على ما يشاء قادر - نبه تعالى على أنه الرزّاق ، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال : " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نشْرًا " أي : ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر ، ومنهم من قرأ { بُشْرًا } كقوله { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } [ الروم : 46 ]

وقوله : { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي : بين يدي المطر ، كما قال : { وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } [ الشورى : 28 ] وقال { فَانْظُرْ إِلَى أَثَر رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الروم : 50 ]{[11837]}

وقوله : { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا } أي : حملت الرياح سحابًا ثقالا أي : من كثرة ما فيها من الماء ، تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة ، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل ، رحمه الله .

وأسلمتُ وجْهِي لمنْ أسْلَمَتْ *** لَهُ المُزْنُ تَحْمل عَذْبا زُلالا

وأسلَمْتُ وَجْهي لمن أسلَمَتْ *** له الأرض تحملُ صَخرًا ثقالا{[11838]}

وقوله : { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } أي : إلى أرض ميتة ، مجدبة{[11839]} لا نبات فيها ، كما قال تعالى : { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا [ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{[11840]} ] } [ يس : 33 ] ؛ ولهذا قال : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى } أي : كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها ، كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رَمِيمًا يوم القيامة ، ينزل الله ، سبحانه وتعالى ، ماء من السماء ، فتمطر الأرض أربعين يوما ، فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض . وهذا المعنى كثير في القرآن ، يضرب الله مثلا للقيامة بإحياء الأرض بعد موتها ؛ ولهذا قال : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }


[11836]:في أ: "خلق".
[11837]:في أ: "آثار".
[11838]:البيتين في السيرة النبوية لابن هشام (1/231).
[11839]:في أ: "ميتة أي مجدبة".
[11840]:زيادة من ك، م، أ، وفي هـ: "الآية".