بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

ثم قال { وهو الذي يرسل الرياح بُشْراً بَيْن يَدَي رحْمَتِهِ } أي قدام المطر .

قرأ حمزة والكسائي { الريح } بلفظ الوحدان . وقرأ الباقون { الرياح } بلفظ الجماعة . واختار أبو عبيد أن كل ما ذكر في القرآن من ذكر الرحمة فهو رياح وكل ما كان فيه ذكر العذاب فهو ريح . واحتج بما روي عن النبيِّ عليه السلام : أنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذا هَبَّتِ الرِّيحُ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِياحاً وَلا تَجْعَلْها رِيحاً »

وقرأ ابن عامر { نُشْرا }ً بضم النون وجزم الشين .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع { نُشُرا } بضمتين .

وقرأ حمزة والكسائي { نشرا } بنصب النون وجزم الشين .

وقرأ عاصم { بشرا } بالباء ويكون من البشارة كما قال في آية أخرى { وَمِنْ آياته أَن يُرْسِلَ الرياح مبشرات وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الروم : 46 ] .

ومن قرأ { نَشْرا } بالنون والنصب فيكون معناه { يرسل الرياح } تَنْشُر السحاب { نَشْرا } ، ومن قرأ بالضمتين يكون جمع نشور ، يقال : ريح نشور ، أي تنشر السحاب ورياح نُشُر ، ومن قرأ بضمة واحدة لأنه لما اجتمعت الضمتان حذفت إحداهما للتخفيف .

ثم قال : { حَتَّى إذا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً } من الماء ، والسحاب جمع السحابة يعني الريح حملت سحاباً ثقالاً { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } يعني : السحاب تمر بأمر الله تعالى إلى أرض ليس فيها نبات { فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ } يعني : بالمكان .

ويقال : بالسَّحاب { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } أي نخرج بالماء من الأرض الثمرات { كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى } أي يقول : هكذا نحيي الموتى بالمطر كما أحييت الأرض الميتة بالمطر . وذكر في الخبر أنه إذا كان قبل النفخة الأخيرة أمطرت السماء أربعين يوماً مثل مَني الرجال فتشرب الأرض ، فتنبت الأجساد بذلك الماء ، ثم ينفخ في الصور ، فإذا هم قيام ينظرون . وفي هذه الآية إثبات القياس وهو ردّ المختلف إلى المتفق ، لأنهم كانوا متفقين أن الله تعالى هو الذي ينزل المطر ويخرج النبات من الأرض . فاحتج عليهم لإحيائهم بعد الموت بإحياء الأرض بعد موتها . ثم قال : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : لكي تتعظوا وتعتبروا في البعث أنه كائن .