تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

الآية 57 وقوله تعالى : { هو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته } يذكّرهم عز وجل في هذا حكمته وقدرته ونعمه ليحتجّ بها عليهم بالبعث . أما حكمته [ ففي ما ]{[8504]} يرسل الرياح والأمطار ، ويسوقها إلى المكان الذي يريد أن يمطر فيه ما لم يعلموا ذلك ، [ ولا شاهدوه ، وما ]{[8505]} عرفوا أن كيف يرسل المطر من السماء ؟ وكيف يرسل الرياح ، ويسوق السحاب ؟ ففي ذلك تذكير حكمته إياهم .

وأما نعمه [ فهي ما يسوق من ]{[8506]} السحاب بالريح إلى المكان الذي فيه حاجة إلى المطر ؛ وذلك من عظيم نعمه ليعلم أن ذلك كان برحمته ، لا لأنهم كانوا مستوجبين لذلك .

وأما ما ذكّرهم من قدرته فهو{[8507]} ما ذكر من إحياء الأرض بعد ما كانت ميتة ليعلم أن الذي قدر على إحياء الأرض وإخراج النبات والثمر بعد ما كان ميّتا قادر{[8508]} على /177-ب/ إحياء الموتى وبعثهم بعد موتهم على ما قدر على إحياء الأرض بالنبات وإحياء النخل بالثمار بعد ما كان علم كل أن لا نبات فيها ، ولا ثمار فيه . فإذا خرج النبات منها والثمار من النخيل على ما خرج في العام الأول دل ذلك على وحدانيته وقدرته على إحياء الموتى وبعثهم بعد ما ماتوا ، وصاروا ترابا على قدر ما ذكرنا ، والله [ أعلم ]{[8509]} .

وفي قوله تعالى : { بين يدي رحمته } دلالة ألا يفهم من اليدين الجارحتين [ ما ]{[8510]} يفهم من الخلق كما لم يفهم أحد [ من ذكر ]{[8511]} اليد في المطر الجارحة ؛ لأنه لا جارحة له . فعلى ذلك لا يفهم من ذكر اليد له الجارحة من قوله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } [ المائدة : 64 ] ، وكذلك قوله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } [ فصلت : 42 ] ؛ لم يفهم من قوله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه } الجارحتين{[8512]} للقرآن . فعلى ذلك لا يفهم مما ذكر من يديه الجارحتين{[8513]} . ومن فهم ذلك إنما يفهم لفساد اعتقاده . وكذلك ما ذكر من الاستواء على العرش والاستواء إلى السماء لا يفهم من استواء الخلق ؛ لأنه بريء عن جميع مشابه الخلق ومعانيهم ، وهو ما وصف حين{[8514]} قال { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] .

وقوله تعالى : { يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته }ونشرا [ ونشرا ]{[8515]} وبشرى ؛ والنشر هو من جمع نشور [ والنشر هو ]{[8516]} من الإحياء ، ومن{[8517]} التفريق ، وبشرى بالباء من البشارة .

ثم قيل في قوله تعالى : { نشرا } الله عز وجل هو الذي يفرّق ، ويسوق ذلك السحاب ، وقيل : الريح هو الذي يرسل ، ويسوق ذلك السحاب .

وقوله تعالى : { حتى إذا أقلّت سحابا ثقالا } قيل : حملت ، وقيل : وفتحت الماء ، وهو واحد { ثقالا } مما فيه من الماء { سقناه لبلد ميّت } إلى بلد ميّت { فأنزلنا به الماء } أي بالبلد { فأخرجنا به من كل الثمرات } قال بعضهم : { من كل الثمرات } ما يشاهدون من الثمرات { نخرج الموتى } بعدما ماتوا ، وذهب أثرهم كما أخرج النبات والثمار من الأرض والنخل من بعد ما مات ، وذهب أثر ذلك النبات وتلك الثمار . فعلى ذلك نخرج الموتى بعد ما ذهب أثرهم حتى لم يبق شيء { لعلكم تذكّرون } وتتفكرون ، وتعرفون قدرته وسلطانه على الإحياء بعد الموت ، أو تذكّرون ، وتتّعظون .

وبعد فإن إعادة الشيء في عقول الخلق أهون وأيسر من ابتداء الإنشاء . ألا ترى أن الدهرية والثّنوية وهؤلاء قد أنكروا الإنشاء من لا شيء ، ورأوا وجود الأشياء مطروحها وإعادتها عن أصل وكيان ؟ وهو ما ذكر ، وهو أهون عليه أي في عقولكم .


[8504]:في الأصل وم: فيما.
[8505]:في الأصل وم: وشاهدوه ما.
[8506]:في الأصل وم: فهو ما يسوق.
[8507]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[8508]:في الأصل وم: لقادر.
[8509]:من م، ساقطة من الأصل.
[8510]:من م، ساقطة من الأصل.
[8511]:في الأصل وم: بذكر.
[8512]:في الأصل وم: الجارحة.
[8513]:في الأصل وم: الجارحة.
[8514]:في الأصل وم: حيث.
[8515]:ساقطة من الأصل وم، انظر معجم القراءات القرآنية [2/371].
[8516]:في الأصل وم: وهو.
[8517]:في الأصل وم: ونشرا من.