محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

ولما ذكر تعالى أنه خالق السماوات والأرض ، وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر ، وأرشد إلى دعائه لأنه على ما يشاء قدير- نبه تعالى على أنه الرزاق ، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة ، فقال سبحانه :

{ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ( 57 ) } .

{ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } أي قدام رحمته التي هي المطر ، فإن الصبا تثير السحاب ، والشمال تجمعه والجنوب تدرّه ، والدبور تفرقه . وهذا كقوله تعالى : { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته }{[4051]} وقوله سبحانه : { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات }{[4052]} . قال الثعالبي : المبشرات التي تأتي بالسحاب والغيث .

تنبيه :

قال أبو البقاء : يقرأ { نشرا } بالنون والشين مضمومتين ، وهو جمع ، وفي واحده وجهان أحدهما ( نشور ) مثل صبور وصبر . فعلى هذا يجوز أن يكون ( فعول ) بمعنى ( فاعل ) ، أي : ينشر الأرض . ويجوز أن يكون بمعنى ( مفعول ) كركوب بمعنى مركوب ، أي : منشورة بعد الطي ، أو منشرة أي محياة ، من قولك أنشر الله الميت فهو مُنْشَر ، ويجوز أن يكون جمع ناشر ، مثل بازل وبزل . ويقرأ بضم النون وإسكان الشين على تخفيف المضموم . ويقرأ نشرا بفتح النون وإسكان الشين ، وهو مصدر نَشَرَ بعد الطي ، أو من قولك أنشر الله الميت فنشر أي عاش . ونصبه على الحال ، أي ناشرة ، أو ذات نشر ، كما تقول : جاء ركضا أي راكضا . / ويقرأ : بشرا بالباء وضمتين ، وهو جمع بشير ، مثل قليب وقلب . ويقرأ كذلك إلا أنه بسكون الشين على التخفيف . ويقرأ بشرى مثل حبلى . أي : ذات بشارة ويقرأ بشرا بفتح الباء وسكون الشين ، وهو مصدر بشرته – أي بالتخفيف- إذا بشّرته- انتهى .

{ حتى إذا أقلت } أي حملت { سحابا ثقالا } أي من كثرة ما فيها من الماء { سقناه } أي : السحاب . قال الشهاب : السحاب اسم جنس جمعي ، يفرق بينه وبين واحده بالتاء ، كتمر وتمرة . وهو يذكر ويؤنث ويفرد وصفه ، ويجمع . وأهل اللغة تسميه جمعا ، فلذا روعي فيه الوجهان ، في وصفه وضميره- انتهى . أي أرسلناه مع أن طبعه الهبوط { لبلد ميت } أي : لأجله ولمنفعته ، أو لإحيائه أو لسقيه . و { ميت } قرئ مشددا ومخففا { فأنزلنا به الماء } أي الضمير . والضمير في { به } للبلد { فأخرجنا به من كل الثمرات } أي المختلفة الأنواع ، مع أن ماءها واحد . والمراد { بكل الثمرات } المعتادة في كل بلد تخرج به على الوجه الذي أجرى الله العادة بها ودبرها . والضمير في ( به ) للماء أو للبلد . { كذلك } أي مثل ذلك الإخراج { نخرج الموتى } أي نحييها بعد صيرورتها رميما يوم القيامة ، ينزل الله سبحانه وتعالى ماء من السماء ، فتمطر الأرض أربعين يوما ، فتنبت منه الأجساد في قبورها ، كما ينبت الحب في الأرض { لعلكم تذكرون } أي إنما وصفنا ما وصفنا من هذا التمثيل لكي تتذكروا ، من أحوال الثمرات التي أعيدت إلى حالها بعد تلفها ، أحوال الآخرة ، فتعلموا أن من قدر على ذلك ، قدر على هذا بلا ريب .

تنبيه :

من أحكام الآية كما قال الجشمي : أنها تدل على عظم نعمه تعالى علينا بالمطر ، وتدل على الحجاج في إحياء الموتى بإحياء الأرض بالنبات ، وتدل على أنه أراد من الجميع التذكر . وتدل على أنه أجرى العادة بإخراج النبات بالماء . وإلا فهو قادر على إخراجه من غير ماء . فأجرى العادة على وجوه دبرها عليها على ما نشاهده ، لضرب من المصلحة دينا ودنيا . / ومنها إذا رأى الأرض الطيبة تزرع دون الأرض السبخة ، وأنها قطع متجاورات ، علم فساد التقليد ، وأنه يجب أن يتفحص عن الحق حتى يعتقده . ومنها أنه إذا زرع وعلم وجوب حفظه من المبطلات ، علم وجوب حفظ الأعمال الصالحة من المحبطات .


[4051]:- [42/ الشورى/ 28] {... وهو الولي الحميد (28)}.
[4052]:- [30/ الروم/46] {... وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (46)}.