السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

وقوله تعالى :

{ وهو الذي يرسل الرياح } عطف على ما قبله والمعنى : إنّ ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض وهو الذي يرسل الرياح . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالتوحيد والباقون بالجمع { نشراً بين يدي رحمته } أي : متفرّقة قدام المطر الذي هو من أجل النعم وأحسنها أثراً . وقرأ عاصم بالباء الموحدة وسكون الشين أي مبشراً ، وحمزة والكسائي بالنون مفتوحة وسكون الشين على أنه مصدر في موضع الحال بمعنى ناشرات أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان ، وابن عامر بالنون مضمومة وسكون الشين تخفيفاً ، والباقون بضم النون والشين جمع نشور بمعنى ناشر { حتى إذا أقلت } أي : حملت الرياح { سحاباً ثقالاً } أي : بالمطر يقال : أقل فلان الشيء إذا حمله واشتقاق الإقلال من القلة فإن من يرفع شيئاً يراه قليلاً { سقناه } أي : السحاب وإفراد الضمير باعتبار اللفظ وفيه التفات عن الغيبة ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث كما لو حمل على اللفظ على الوصف لقيل : ثقيلاً ، والسحاب جمع سحابة وهو الغيم فيه ماء أو لم يكن فيه ماء سمي سحاباً لانسحابه في الهواء ، قال السدي : إن الله سبحانه وتعالى يرسل الرياح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين وهما طرفا السماء والأرض حيث يلتقيان فتخرجه ثم تنشره فتبسطه في السماء كما يشاء ثم تفتح له أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك { لبلد ميت } لا نبات فيه أي : لإحيائه .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة بتخفيف الياء والباقون بالتشديد { فأنزلنا به } أي : بالبلد أو السحاب { الماء فأخرجنا به } أي : بذلك الماء لأن إنزال الماء كان سبباً لإخراج الثمرات { من كل الثمرات } أي : من كل أنواعها ، قال الأزهري : قال الليث بن سعد رحمه الله تعالى : البلد هو كل موضع من الأرض عامر أو غير عامر خال أو مسكون والطائفة منها بلدة والجمع بلاد { كذلك } أي : مثل هذا الإخراج { نخرج الموتى } أحياء من قبورهم بعد فنائهم ودرس آثارهم { لعلكم تذكرون } أي : لكي تعتبروا وتتذكروا والخطاب لمنكري البعث يقول : إنكم شاهدتم الأشجار وهي مزهرة مورقة مثمرة في أيام الربيع والصيف ثم إنكم شاهدتموها يابسة عارية من تلك الأوراق والثمار ثم إن الله أحياها مرة أخرى فالقادر على إحيائها بعد موتها قادر على أن يحيي الأجساد بعد موتها . قال أبو هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم : إذا مات الناس كلهم في النفخة الأولى أرسل الله تعالى عليهم مطراً كمني الرجال من ماء تحت العرش فينبتون في قبورهم نبات الزرع حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقي عليهم نومة فينامون في قبورهم ثم يحشرون بالنفخة الثانية وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم فعند ذلك يقولون : { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } ( يس ، 52 )

وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد .