الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

قوله سبحانه : { وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً . . . } [ الأعراف :57 ] .

هذه آية اعتبار ، واستدلال ، وقرأ عاصم { الرياح } بالجَمْعِ ، { بُشْراً } بالباء المضمومة والشين الساكنة ، وروي عنه { بُشُرا } بضم الباء والشين ، ومن جمع الريح في هذه الآية ، فهو أسعد ، وذلك أن الرِّيَاحَ حيث وَقَعَتْ في القرآن فهي مقترنة بالرحمة ، كقوله : { وَمِنْ آياته أَن يُرْسِلَ الرياح مبشرات } [ الروم : 46 ] وأكثر ذِكْرِ الريح مفردة إنما هو بقرينة عَذَابٍ ، كقوله سبحانه : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم } [ الذاريات : 41 ] وقد تقدم إيضاح هذا في «سورة البقرة » ، ومن قرأ في هذه الآية { الريح } بالإفراد ، فإنما يريد به اسْمَ الجِنْسِ ، وأيضاً فتقييدها ب { بشرا } يزيل الاشتراك ، والإِرْسَالُ في الريح هو بمعنى الإجراءِ والإطلاق ، و{ نُشْرَا }ً ، أي : تَنْشُرُ السحابَ ، وأما { بُشُرا } بضم الباء والشين ، فجمع بَشِير ، كنذير ، ونُذُر ، والرحمة في هذه الآية المَطَرُ ، و{ بَيْنَ يَدَيْ } ، أي : أمام رحمته وقدامها ، و{ أَقَلَّتْ } معناه : رفعته من الأرض ، واسْتَقَلَّتْ به ، و{ ثِقَالاً } معناه من الماء ، والعَرَبُ تَصِفُ السحاب بالثّقَلِ ، والرِّيحُ تَسُوقُ السحاب من ورائه فهو سوق حقيقة ، والضمير في { سقناه }[ الأعراف :57 ] عائد على السحاب ، ووصف البلد بالمَوْتِ استعارة بسبب شعثه وجذوبته .

والضمير في قوله { فَأَنزَلْنَا بِهِ } يحتمل أن يَعُودَ على السحاب ، أي منه ، ويحتمل أن يعود على البلد ، ويحتمل أن يعود على الريح .

وقوله تبارك وتعالى : { كذلك نُخْرِجُ الموتى } يحتمل مقصدين :

أحدهما : أن يراد كهذه القُدْرَةِ العظيمة هي القدرة على إِحْيَاءِ الموتى ، وهذا مثال لها .

الثاني : أن يراد أن هكذا نَصْنَعُ بالأموات من نزول المَطَرِ عليهم ، حتى يحيوا به ، حَسَبَ ما وردت به الآثار ، فيكون الكَلاَمُ خبراً لا مثالاً .