إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (57)

{ وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح } عطفٌ على الجملة السابقةِ وقرئ الريحَ { بُشْرًا } تخفيف بُشُر جمعُ بشير أو مبشّرات ، وقرئ بفتح الباءِ على أنه مصدرُ بَشَره ، بمعنى باشرات أو للبِشارة ، وقرئ نُشُراً بالنون المضمومة جمع نَشور أي ناشرات ونَشْراً على أنه مصدرٌ في موقع الحال بمعنى ناشرات أو مفعولٌ مطلقٌ ، فإن الإرسالَ والنَّشرَ متقاربان { بَيْنَ يَدَي رَحْمَتِهِ } قُدّامَ رحمتِه التي هي المطرُ فإن الصَّبا{[266]} تُثير السحابَ والشَّمالَ تجمعُه والجَنوبَ تدُرّه والدَّبورَ{[267]} تفرّقه { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ } أي حملت ، واشتقاقُه من القِلة فإن المُقِلَّ للشيء يستقِلّه { سَحَابًا ثِقَالاً } بالماء ، جَمَعه لأنه بمعنى السحائب { سقناه } أي السحاب ، وإفرادُ الضميرِ لإفراد اللفظ { لِبَلَدٍ مَيّتٍ } أي لأجله ولمنفعته أو لإحيائه أو لسقيه وقرئ ميْتٍ { فَأَنزَلْنَا بِهِ الماء } أي بالبلد أو بالسحاب أو بالسَّوْق أو بالريح ، والتذكيرُ بتأويل المذكور وكذلك قوله تعالى : { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } ويحتمل أن يعود الضميرُ إلى الماء وهو الظاهرُ ، وإذا كان للبلد فالباءُ للإلصاق في الأول والظرفية في الثاني وإذا كان لغيره فهي للسببية { مِن كُلّ الثمرات } أي من كل أنواعها ( وألوانها ) { كذلك نُخْرِجُ الموتى } الإشارةُ إلى إخراج الثمراتِ أو إلى إحياء البلدِ الميتِ ، أي كما نحييه بإحداث القوةِ الناميةِ فيه وتطريتِها بأنواعِ النباتِ والثمراتِ نخرج الموتى من الأجداث ونحييها بردّ النفوسِ إلى موادّ أبدانِها بعد جَمعِها وتطريتها بالقُوى والحواسّ { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } بطرح إحدى التاءين أي تتذكرون فتعلمون أن مَنْ قدَرَ على ذلك قدَرَ على هذا من غير شبهة .


[266]:الصّبا: ريح مهبُّها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار. وهي أيضا القبول.
[267]:الدبور: ريح تهب من المغرب، وتقابل القبول وهي ريح الصبا.