أي : ومن آياته أن ينزل عليكم المطر الذي تحيا به البلاد والعباد ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يُخَاف ويُطْمَع فيه .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ } [ دالة ] على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه ، وعظيم حكمته وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها .
{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لهم عقول تعقل بها ما تسمعه وتراه وتحفظه ، وتستدل به عل ما جعل دليلا عليه .
( ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ، وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . .
وظاهرة البرق ظاهرة ناشئة من النظام الكوني ؛ ويعللها بعضهم بأنها تنشأ من انطلاق شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء ، أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا . ينشأ عنها تفريغ في الهواء يتمثل في الرعد الذي يعقب البرق . وفي الغالب يصاحب هذا وذلك تساقط المطر نتيجة لذلك التصادم . وأيا ما كان السبب فالبرق ظاهرة ناشئة عن نظام هذا الكون كما خلقه البارىء وقدره تقديرا .
والقرآن الكريم حسب طبيعته لا يفصل كثيرا في ماهية الظواهر الكونية وعللها ؛ إنما يتخذ منها أداة لوصل القلب البشري بالوجود وخالق الوجود . ومن ثم يقرر هنا أنها آية من آيات الله أن يريهم البرق ( خوفا وطمعا ) . . وهما الشعوران الفطريان اللذان يتعاوران النفس البشرية أمام تلك الظاهرة . شعور الخوف من الصواعق التي تحرق الناس والأشياء أحيانا عندما يبرق البرق . أو الخوف الغامض من رؤية البرق وما يوقعه في الحس من الشعور بالقوة المصرفة لهيكل هذا الكون الهائل . وشعور الطمع في الخير من وراء المطر الذي يصاحب البرق في معظم الأحوال ؛ والذي عقب بذكره في الآية بعد ذكر البرق : ( وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها ) . .
والتعبير بالحياة والموت بالقياس إلى الأرض تعبير يخيل أن الأرض كائن حي ، يحيا ويموت . وإنها لكذلك في حقيقتها التي يصورها القرآن الكريم . فهذا الكون خليقة حية متعاطفة متجاوبة ، مطيعة لربها خاضعة خاشعة ، ملبية لأمره مسبحة عابدة . والإنسان الذي يدب على هذا الكوكب الأرضي واحد من خلائق الله هذه ، يسير معها في موكب واحد متجه إلى الله رب العالمين .
ذلك كله بالإضافة إلى أن الماء حين يصيب الأرض ، يبعث فيها الخصب ، فتنبت الزرع الحي النامي ؛ وتموج صفحتها بالحياة المنبثقة في هذا النبات . ومن ثم في الحيوان والإنسان . والماء رسول الحياة فحيث كان تكون الحياة .
( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . . فهنا للعقل مجال للتدبر والتفكير .
وقوله تعالى : { يريكم } فعل مرتفع لما حذفت «أن » التي لو كانت لنصبته فلما حل الفعل محل الاسم أعرب برفع .
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى . . . وأن أشهد للذات هي أنت مخلدي{[9299]}
قال الرماني : وتحتمل الآية أن يكون التقدير { ومن آياته } آية { يريكم البرق } وحذفت الآية لدلالة من عليها ومنه قول الشاعر :
وما الدهر إلا تارتان فمنهما . . . أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح{[9300]}
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا على أن { من } للتبعيض كسائر هذه الآيات ، ويحتمل في هذه وحدها أن تكون { من } لابتداء الغاية فلا يحتاج إلى تقدير «أن » ولا إلى تقدير «آية » ، وإنما يكون الفعل مخلصاً للاستقبال وقوله { خوفاً وطمعاً } ، قال قتادة { خوفاً } للمسافر { وطمعاً } للمقيم .
قال الفقيه الإمام القاضي : ولا وجه لهذا التخصيص ونحوه بل فيه الخوف والطمع لكل بشر ، قال الضحاك : الخوف من صواعقه والطمع في مطره ، وقوله تعالى : { أن تقوم السماء والأرض } معناه تثبت ، كقوله تعالى { وإذا أظلم عليهم قاموا }{[9301]} [ البقرة : 20 ] وهذا كثير ، وقيل هو فعل مستقبل أحله محل الماضي ليعطي فيه معنى الدوام الذي هو في المستقبل ، والدعوة من الأرض هي البعث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.