إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

الفعلُ إمَّا مقدَّرٌ بأنْ كما في قولِ مَن قال :[ الطويل ]

أَلاَ أيُّهذا الزَّاجِري أحضُرَ الوَغَى{[644]}*** [ وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ]

أي أنْ أحضُرَ أو منزَّلٌ منزلَة المصدرِ وبه فُسِّر المثلُ المشهُورُ « تسمعُ بالمُعَيديِّ خيرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ{[645]} » أو هو على حالِه صفةٌ لمحذوفٍ أي آيةٌ يريكم بها البرق كقولِ مَن قال :[ الطويل ]

وَمَا الدَّهرُ إلاَّ نَارَتانِ فمنهُمَا *** أموتُ وأُخرى أَبتغِي العيشَ أَكْدَحُ{[646]}

أي فمنهما تارةً أموتُ فيها وأُخرى أبتغِي فيها أو ومن آياتِه شيءٌ أو سحابٌ يُريكم البرقَ { خَوْفًا } من الصَّاعقةِ أو للمسافرِ { وَطَمَعًا } في الغيثِ أو للمقيمِ ونصبُهما على العِلَّةِ لفعلٍ يستلزمُه المذكورُ فإنَّ إراءتهم البرقَ مستلزمةٌ لرؤيتِهم إيَّاه أو للمذكورِ نفسِه على تقديرِ مضافٍ نحو إراءةِ خوفٍ وطمعٍ أو على تأويلِ الخوفِ والطمعِ بالإخافةِ والإطماعِ كقولِك فعلتُه رغماً للشَّيطانِ أو على الحالِ نحو كلَّمتُه شِفاهاً . { وَيُنَزّلُ مِنَ السماء مَاءً } . وقرئ بالتَّخفيفِ { فَيُحْيِي بِهِ الأرض } بالنباتِ { بَعْدَ مَوْتِهَا } يُبسها { إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فإنَّها من الظُّهورِ بحيث يكفي في إدراكِها مجرَّدُ العقل عند استعمالِه في استنباطِ أسبابِها وكيفيَّةِ تكوُّنِها .


[644]:وهو لطرفة بن العبد في ديوانه (ص32) وخزانة الأدب (1/119)، (8/579)؛ والدرر (1/74)، وشرح شواهد المغني (2/800)؛ ولسان العرب (13/32) (أذن) (14/272) (دنا) وبلا نسبة في خزانة الأدب (1/463)، (8/507، 580، 585) وشرح شذور الذهب (ص 198) وشرح المفصل (2/7)؛ (7/52)؛ ومغني اللبيب (2/383، 641) والشاهد فيه قوله: (أحضر) حيث روي بالرفع على حذف "أن" الناصبة وارتفاع الفعل بعدها وروي بالنصب بإضمار "أن".
[645]:ويروى"لأن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه" ويضرب لمن خبره خير من مرآه قال المفضل: أول من قاله ذلك المنذر ابن ماء السماء وقد ورد المثل في أمثال العرب (55) وفصل المقال: (135) وجمهرة العسكري؛ (1/266) وجمهورة ابن دريد (2/283) والوسيط (83) والعقد الفريد: (2/288) والبيان والتبين (1/171).
[646]:وهو لتميم بن مقبل في ديوانه (ص24) والحيوان (3/48)؛ وخزانة الأدب (5/55) ولسان العرب (2/569) (كدح) وبلا نسبة في خزانة الأدب (10/175) وشرح عمدة الحافظ (ص 547)؛ ولسان العرب (4/97) (تور)؛ والمحتسب (1/212) والمقتضب (2/138)؛ والشاهد فيه حذف الاسم لدلالته الصفة والتقدير: فمنهما تارة أموت فيها.