البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

{ ومن آياته يريكم البرق خوفاً } : إما أن يتعلق من آياته بيريكم ، فيكون في موضع نصب ، ومن لابتداء الغاية ، أو يكون يريكم على إضمار أن ، كما قال :

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى . . .

برفع أحضر ، والتقدير أن أحضر ، فلما حذف أن ، ارتفع الفعل ، وليس هذا من المواضع التي يحذف منها أن قياساً ، أو على إنزال الفعل منزلة المصدر من غير ما يسبكه له ، كما قال الخليل في قول :

أريد لأنسى حبها . . .

أي أرادني لأنسى حبها ، فيكون التقدير في هذين الوجهين : ومن آياته إراءته إياكم البرق ، فمن آياته في موضع رفع على أنه خبر المبتدأ .

وقال الرماني : يحتمل أن يكون التقدير : ومن آياته يريكم البرق بها ، وحذف لدلالة من عليها ، كما قال الشاعر :

وما الدهر إلا تارتان فمنهما *** أموات وأخرى أبتغي العيش أكدح

أي : فمنهما تارة أموات ، ومن على هذه الأوجه الثلاثة للتبعيض .

وانتصب { خوفاً وطمعاً } على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي خائفين وطامعين .

وقيل : مفعول من أجله .

وقال الزجاج : وأجازه الزمخشري على تقدير إرادة خوف وطمع ، فيتحد الفاعل في العامل والمحذوف ، ولا يصح أن يكون العامل يريكم ، لاختلاف الفاعل في العامل والمصدر .

وقال الزمخشري : المفعولون فاعلون في المعنى ، لأنهم راؤون مكانه ، فكأنه قيل : لجعلكم رائين البرق خوفاً وطمعاً . انتهى .

وكونه فاعلاً ، قيل : همزة التعدية لا تثبت له حكمه بعدها ، على أن المسألة فيها خلاف .

مذهب الجمهور : اشتراط اتحاد الفاعل ، ومن النحويين من لا يشترطه .

ولو قيل : على مذهب من يشترطه .

أن التقدير : يريكم البرق فترونه خوفاً وطمعاً ، فحذف العامل للدلالة ، لكان إعراباً سائغاً واتحد فيها الفاعل .

وقال الضحاك : خوفاً من صواعقه ، وطمعاً في مطره .

وقال قتادة : خوفاً للمسافر ، وطمعاً للمقيم .

وقيل : خوفاً أن يكون خلباً ، وطمعاً أن يكون ماطراً .

وقال الشاعر :

لا يكن برقك برقاً خلباً *** إن خير البرق ما العيث معه

وقال ابن سلام : خوفاً من البرد أن يهلك الزرع ، وطمعاً في المطر أن يحييه .

/خ25