48- أغفل هؤلاء الكفار عن آيات الله حولهم ، ولم ينظروا ويتدبروا فيما خلقه الله من الأشياء القائمة ، تنتقل ظلالها وتمتد تارة يميناً وتارة شمالاً ، تابعة في ذلك لحركة الشمس نهاراً والقمر ليلاً ، وكل ذلك خاضع لأمر الله ، منقاد لأحكام تدبيره . لو تدبر المشركون هذا لعلموا أن خالقه ومدبره هو - وحده - المستحق للعبادة والخضوع ، القادر على إهلاكهم لو أراد .
{ 48 - 50 ْ } { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ْ }
يقول تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا ْ } أي : الشاكون في توحيد ربهم وعظمته وكماله ، { إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ْ } أي : إلى جميع مخلوقاته وكيف تتفيأ أظلتها ، { عَن الْيَمِينِ ْ } وعن { الشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ ْ } أي : كلها ساجدة لربها خاضعة لعظمته وجلاله ، { وَهُمْ دَاخِرُونَ ْ } أي : ذليلون تحت التسخير والتدبير والقهر ، ما منهم أحد إلا وناصيته بيد الله وتدبيره عنده .
أفأمن الذين مكروا السيئات أن يأخذهم الله ؟ فهم لاجون في مكرهم سادرون في غيهم لا يثوبون ولا يتقون .
ذلك والكون من حولهم بنواميسه وظواهره يوحي بالإيمان ، و يوحي بالخشوع : ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ) . .
ومشهد الظلال تمتد وتتراجع ، تثبت وتتمايل ، مشهد موح لمن يفتح قلبه ، ويوقظ حسه ، ويتجاوب مع الكون حوله .
والسياق القرآني يعبر عن خضوع الأشياء لنواميس الله بالسجود - وهو أقصى مظاهر الخضوع - ويوجه إلى حركة الظلال المتفيئة - أي الراجعة بعد امتداد - وهي حركة لطيفة خفية ذات دبيب في المشاعر وئيد عميق .
{ أوَلم يروا إلى ما خلق الله من شيء } استفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع فما بالهم لم يتفكروا فيها ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه ، وما موصولة مبهمة بيانها . { يتفيّأ ظلالُه } أي أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة . وقرأ حمزة والكسائي " تَروْا " بالتاء وأبو عمرو " تتفيؤ " بالتاء . { عن اليمين والشمائل } عن أيمانها وعن شمائلها أي عن جانبي كل واحد منها ، استعارة من يمين الإنسان وشماله ، ولعل توحيد اليمين وجمع الشمائل باعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد الضمير في ظلاله وجمعه في قوله : { سُجّداً لله وهم داخرون } وهما حالان من الضمير في ظلاله ، والمراد من السجود الاستسلام سواء كان بالطبع أو الاختيار ، يقال سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب وسجدا حال من الظلال { وهم داخرون } حال من الضمير . والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها ، أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدر لها من التفيؤ ، أو واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد والأجرام في أنفسها أيضا داخرة أي صاغرة منقادة لأفعال الله تعالى فيها ، وجمع { داخرون } بالواو لأن من جملتها من يعقل ، أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء . وقيل المراد ب " اليمين والشمائل " يمين الفلك وهو جانبه الشرقي لأن الكواكب تظهر منه آخذة في الارتفاع والسطوع وشماله هو الجانب الغربي المقابل له من الأرض ، فإن الظلال في أول النهار تبتدئ من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض ، وعند الزوال تبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.