الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَٰخِرُونَ} (48)

وقوله سبحانه : { أَوَ لَمْ يَرَوا إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ يتفيؤُا } [ النحل : 48 ] .

قوله : { شَيْءٍ يتفيؤُا } لفظٌ عامٌّ في كلِّ شخصٍ وجرْمٍ له ظلٌّ كالجبال والشجر وغير ذلك ، وفَاءَ الظِّلُّ رجَعَ ، ولا يقالُ : الفيء إلاَّ مِنْ بعد الزوال في مشهور كلام العرب ، لكنْ هذه الآية : الاعتبار فيها من أول النَّهار إلى آخره فكأنَّ الآية جاريةٌ في بعْضٍ على تجوُّز كلام العرب واقتضائه ، والرؤية ، هنا : رؤيةُ القَلْبُ ولكنَّ الاعتبار برؤية القلب هنا إنما تكونُ في مرئيَّات بالعينِ ، و{ عَنِ اليمين والشمائل } هنا : فيه تجوُّز واتساعٌ .

وذكَرَ الطبريُّ عن الضَّحِّاك ، قال : إذا زالَتِ الشمْسُ ، سَجَدَ كلّ شيء قِبَلَ القبْلة من نَبْت أو شجر ، ولذلك كان الصالحُونَ يستحبُّون الصلاة في ذلك الوقْت ، قال الداوديُّ : وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَال تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ في صَلاَةِ السَّحَرِ ) قَالَ : ( وَلَيْسَ شَيْءٌ إِلاَّ يُسَبِّحُ للَّهِ تِلْكَ السَّاعَةَ ) ، وقرأ : { يَتَفَيَّأُ ظلاله } الآية كلُّها انتهى . و«الدَّاخر » : المتصاغر المتواضع .