الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَٰخِرُونَ} (48)

ثم قال { أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء } [ 48 ] الآية . أي : أو لم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من جسم قائم شجرا أو جبالا{[39082]} أو غير ذلك { يتفيؤا ظلاله } [ 48 ] أي : يرجع من موضع إلى موضع [ و{[39083]} ] يكون في أول النهار على حال ، ثم يعود إلى حال آخر في آخر النهار . قال قتادة : أما اليمين فأول النهار ، والشمال : آخر النهار{[39084]} .

وقال ابن جريج : اليمين والشمال الغدو والآصال ، فإذا فاءت الظلال سجدت لله بالغدو والآصال . قال الضحاك : سجد ظل المؤمن طوعا{[39085]} . وقال الضحاك إذا فاء الفيء توجه كل شيء ساجدا قبل القبلة من نبت أو شجر{[39086]} ، قال مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله [ عز وجل{[39087]} ]{[39088]} .

وعن مجاهد : أن السجود في/هذا الموضع سجود{[39089]} الظلال دون التي لها الظلال{[39090]} .

وعن ابن عباس أنه قال : الكافر يسجد لغير الله [ سبحانه{[39091]} ] وظله يسجد لله [ عز وجل{[39092]} ]{[39093]} . أي ينقاد دليلا على ما دبره الله [ عز وجل{[39094]} ] عليه .

فتحقيق المعنى في هذه الآية : أن ظلال الأشياء هي التي تسجد ، وسجودها : ميلانها ودورانها من جانب إلى جانب . يقال سجدت النخلة إذا مالت . وسجد البعير ، وأسجد ، إذا طؤطىء{[39095]} ليركب{[39096]} . ومن هذا قيل لمن وضع جبهته في الأرض ساجد ، لأنه تطامن{[39097]} . وقد يستعار السجود في موضع الاستسلام والطاعة والذل ، كما يستعار{[39098]} التطامن والتطأطأ فيوضعان موضع الخضوع والانقياد فيقال : تطامن للحق وتطأطأ أي : انقاد{[39099]} وخضع .

فأما قوله : { عن اليمين } [ 48 ] فوحد { والشمائل } [ 48 ] فجمع : فإن " اليمين " وإن كان موحدا ، فإنه في موضع جمع ومعناه{[39100]} . وقيل : إنه رد " اليمين " على لفظ " ما " ورد " الشمائل " على المعنى ، كما قال : { ومنهم من يستمعون إليك }{[39101]} فرد على المعنى ، ثم قال

{ ومنهم من ينظر [ إليك{[39102]} ] }{[39103]} فرده على اللفظ . وهذا كثير .

وقال الزجاج : معنى " ظله " ها هنا جسمه الذي يكون له الظل{[39104]} . فالمعنى : أن جسمه ولحمه وعظامه{[39105]} منقادات لله [ عز وجل{[39106]} ] دالة عليه ، عليها الخضوع والذل .


[39082]:ق : جبل.
[39083]:ساقط من ط.
[39084]:انظر : قول قتادة في جامع البيان 14/115 والدر 5/135.
[39085]:انظر: قول الضحاك في جامع البيان 14/115، وزاد: "... وظل الكافر كرها".
[39086]:انظر: قول الضحاك في جامع البيان 14/115.
[39087]:ساقط من ق.
[39088]:انظر: قول مجاهد في جامع البيان 14/115.
[39089]:ق : "ليس سجود" بزيادة "ليس".
[39090]:انظر: قول مجاهد في جامع البيان 14/115 و 116.
[39091]:ساقط من ق.
[39092]:انظر: المصدر السابق.
[39093]:انظر: قول ابن عباس في معاني الزجاج 3/202، وإعراب النحاس 2/397.
[39094]:ساقط من ق.
[39095]:ق: "طأطأ".
[39096]:هذا التحقيق إنما هو لابن جرير، انظر جامع البيان 14/116. وانظر:اللسان (سجد) ومشكل القرآن 416.
[39097]:وهو قول ابن قتيبة، انظر: مشكل القرآن 416.
[39098]:ق : "كما يستعار كما يستعار ... ".
[39099]:ق : "انقد" والكلمة غير واضحة في "ط" ولعلها "انفند".
[39100]:انظر: هذا التوجيه في معاني الأخفش 3/606. والتفسير الكبير 20/49 والبيان 2/797، والجامع 10/74.
[39101]:يونس: 42.
[39102]:ساقط من ط.
[39103]:يونس: 43.
[39104]:انظر: معاني الزجاج 3/202، وإعراب النحاس 2/397، والجامع 10/74.
[39105]:ط: "وعظمه".
[39106]:ساقط من ق.