قوله : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ } الآية قرأ الأخوان{[19835]} : " تَرَوْا " بالخطاب جرياً على قوله : " فإنَّ ربّكُمْ " .
والباقون : بالياء جرياً على قوله : { أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ } [ النحل : 45 ] .
وأما قوله { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير } [ الملك : 19 ] فقراءة حمزة أيضاً بالخطاب{[19836]} ، ووافقه ابن عامر فيه ؛ فحصل من مجموع الآيتين : أنَّ حمزة بالخطاب فيهما ، والكسائي{[19837]} بالخطاب في الأولى ، والغيبة في الثانية ، وابن عامر بالعكس ، والباقون : بالغيبة فيهما .
وأما توجيهُ الأولى فقد تقدم ، وأما الخطاب في الثانية ؛ فجرياً على قوله تعالى : { والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [ النحل : 78 ] وأمَّا الغيبة ؛ فجرياً على قوله تعالى { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } [ النحل : 73 ] إلى آخره ، وأمَّا تفرقة الكسائي ، وابن عامرٍ بين الموضعين ؛ فجمعاً بين الاعتبارين ، وأنَّ كلاًّ منهما صحيح .
لمَّا خوَّف المشركين بأنواع العذاب المتقدمةِ ، أردفه بما يدلُّ على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي ، والسفلي ؛ ليظهر لهم أنَّ مع كمال هذه القدرة القاهرة والقوة الغير متناهية ، كيف يعجز عن إيصال العذاب إليهم ؟ وهذه الرؤية لما كانت بصرية وصلت ب " إلى " ؛ لأن المراد بها الاعتبارُ ، والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية ، حتى يكون مع النظر إلى الشيء الكامل في أحواله .
قوله : { مِن شَيْءٍ } هذا بيان ل " مَا " في قوله : { مَا خَلَقَ الله } فإنها موصولة بمعنى الذي .
فإن قيل : كيف يبين الموصول وهو مبهم ب " شيء " وهو مبهم ؛ بل أبهم ممَّا قبله ؟ .
فالجواب : أن شيئاً قد اتضح ، وظهر بوصفه بالجملة بعده ؛ وهي : " يَتفيَّؤ ظِلالهُ " .
قال الزمخشري : و " مَا " موصولة ب " خَلقَ الله " وهو مبهمٌ ؛ بيانه في قوله { مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ } .
وقال ابن عطية{[19838]} : " مِنْ شيءٍ " لفظ عامٌّ في كل ما اقتضته الصفة من قوله : " يتَفيَّؤُ ظِلالهُ " .
فظاهر هاتين العبارتين : أن جملة " يَتَفيَّؤ ظِلالهُ " صفة ل " شَيءٍ " فأما غيرهما ؛ فإنه قد صرح بعدم كون الجملة صفة ؛ فإنه قال : والمعنى : من كل شيءٍ له ظلٌّ من جبل ، وشجر ، وبناء ، وجسم قائم ، وقوله " يَتفيَّؤُ ظِلالهُ " إخبار من قوله " مِنْ شَيءٍ " ليس بوصف له ، وهذا الإخبار يدلُّ على ذلك الوصف المحذوف الذي تقديره : هو له ظل . وفيه تكلف لا حاجة إليه ، والصفة أبين و " مِنْ شيءٍ " في محل نصبٍ على الحالِ من الموصول ، أو متعلق بمحذوف على جهة البيان ؛ أعني : من شيء .
والتَّفَيُّؤ : تَفعُّلٌ من فَاءَ يَفِيءُ ، أي : رَجَعَ ، و " فاء " : قاصر فإذا أريد تعديته عدِّي بالهمزة كقوله { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ } [ الحشر : 7 ] أو بالتضعيف نحو : فَيَّأ الله الظِّلَ فتَفيَّأ ، وتَفيَّأ : مطاوع فَيَأ ، فهو لازم ، ووقع في شعر أبي تمَّامٍ متعدِّياً في قوله : [ الكامل ]
3312- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وتَفَيَّأتْ ظِلاَّلَهَا مَمْدُودَا{[19839]}
واختلف في الفيء ، فقيل : هو مطلق الظل ، سواء كان قبل الزوالِ ، أو بعده ، وهو الموافق لمعنى الآية ههنا .
وقيل : ما كان قبل الزوال فهو ظلٌّ فقط ، وما كان بعده فهو ظل وفيءٌ ، فالظل أعم . يروى ذلك عن رؤبة بن العجَّاج ، وأنكر بعضهم ذلك ، وأنشد أبو [ زيد ]{[19840]} للنَّابغة الجعدي : [ الخفيف ]
3313- فَسلامُ الإلهِ يَغْدُو عَليْهِمْ *** وفُيُوءُ الفِرْدَوْسِ ذَاتِ الظِّلالِ{[19841]}
فأوقع لفظ " الفَيءِ " على ما لم تنسخه الشمس ؛ لأن ظلَّ الجنة ما حصل بعد أن كان زائلاً بسبب ضوء الشمس .
وقيل : بل تختصُّ الظلُّ : بما قبل الزوال ، والفيء : بما بعده .
قال الأزهري{[19842]} : تَفيُّؤ الظِّلال : رُجوعُهَا بعد انتِصَافِ النَّهارِ ، فالتفيؤ : لا يكون إلا بالعشيِّ بعدما انصرفت عنه الشمس ، والظل ما يكون بالغداةِ ، وهو ما لم تنله الشمس ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]
فَلا الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعهُ *** ولا الفَيءُ مِنْ بَرْدِ العَشيِّ تَذُوقُ{[19843]}
تَيَمَّمتِ العَيْنَ الَّتي عِندَ ضَارجٍ *** يَفِيءُ عليْهَا الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِ{[19844]}
وقد خطأ ابن قتيبة الناس في إطلاقهم الفيء على ما قبل الزوال وقال : إنما يطلق على ما بعده ؛ واستدل بالاشتقاق ؛ فإن الفيء هو الرجوع ، وهو متحقق بما بعد الزَّوال [ قال : وإنما يطلق على ما بعده{[19845]} ] ، فإن الظل يرجع إلى جهة المشرق بعد الزوال بعد ما نسخته الشمس قبل الزوالِ .
وتقول العربُ في جمع فَيء : " أفْيَاء " للقليل ، و " فُيُؤٌ " للكثير ؛ كالبيوت ، والعيون ، وقرأ أبو عمرو{[19846]} " تَتفَيَّؤُ " بالتاء من فوق مراعاة لتأنيث الجمع ، وبها قرأ يعقوب ، والباقون بالياء لأنه تأنيث مجازي .
وقرأ العامة : " ظِلاله " جمع ظلٍّ ، وعيسى بن عمر{[19847]} " ظِلَلُه " جمع ظِلَة ؛ ك " غُرْفَة ، وغُرَف " .
قال صاحب اللَّوامح في قراءة عيسى " ظِلَلُه " : والظَّلَّة : الغَيْمُ : وهو جسم ، وبالكسر : الفيء ، وهو عرض فرأى عيسى : أنَّ التفيؤ الذي هو الرجوع بالأجسام أولى منه بالإعراض ، وأما في العامة فعلى الاستعارةِ .
قال الواحدي : " ظِلالهُ " أضاف الظلال إلى مفرد ، ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال ، وإنما حسن هذا ؛ لأنَّ الذي يرجع إليه الضمير ، وإن كان واحداً في اللفظ ، وهو قوله تعالى { إلى مَا خَلَقَ الله } إلاَّ أنه كثير في المعنى ؛ كقوله تعالى { لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ }
[ الزخرف : 13 ] فأضاف الظُّهور ، وهو جمع إلى ضمير مفرد ؛ لأنه يعود إلى واحد أريد به الكثرة في المعنى ، وهو قوله تعالى : { مَا تَرْكَبُونَ } انتهى .
قوله تعالى : { عَنِ اليمين } فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلق ب " يَتفيَّؤُ " ومعناها المجاوزة أي : يتجاوز الظلال عن اليمين إلى الشمائل .
الثاني : أنها متعلقة بمحذوف على أنها حال من " ظِلالهُ " .
الثالث : أنها اسم بمعنى جانب ، فعلى هذا ينتصب " إلى " على الظرف .
وقوله : { عَنِ اليمين والشمآئل } فيه سؤالان :
أحدهما : ما المراد باليمين والشمائل ؟ .
والثاني : كيف أفرد الأول ، وجمع الثاني ؟ .
أحدها : أنَّ اليمين يمين الفلك ؛ وهو المشرق ، والشمائل شماله ، وهو المغرب ، وخصَّ هذان الجانبان ؛ لأنَّ أقوى الإنسان جانباه ؛ وهما يمينه وشماله ، وجعل المشرق يميناً ؛ لأن منه تظهر حركة الفلك اليومية .
الثاني : البلدة التي عرضها أقلُّ من الميل تكونُ الشمس صيفاً عن يمين البلد فيقع الظل عن يمينهم .
الثالث : أن المنصوب للعبرة كلُّ جرمٍ له ظلٌّ ، كالجبل ، والشجر ، والذي يترتب فيه الأيمان ، والشمائل إنما هو البشر فقط ، ولكن ذكر الأيمان ، والشمائل ، هنا على سبيل الاستعارة .
الرابع : قال الزمخشريُّ{[19848]} : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله } من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها ، وشمائلها عن جانبي كل واحد منها وشقَّيه استعارة من يمين الإنسان ، وشماله لجانبي الشيء ، أي : يرجع من جانب إلى جانب .
وهذا قريب ممَّا قبله ، وأجيب عن الثاني بأجوبة :
أحدها : أن الابتداء يقع من اليمين ، وهو شيءٌ واحدٌ ؛ فلذلك وحد اليمين ، ثم ينتقص شيئاً فشيئاً وحالاً بعد حال ، فهو بمعنى الجمع ، فصدق على كل حال لفظة الشمائل ؛ فتعدُّد بتعدُّد الحالات ، وإلى قريب منه نحا أبو البقاء - رحمه الله- .
والثاني : قال الزمخشريُّ : واليمين بمعنى الأيمان ، يعني أنَّه مفرد قائم مقام الجمع ، وحينئذ فهما في المعنى جمعاً ؛ كقوله تعالى { وَيُوَلُّونَ الدبر } [ القمر : 45 ] أي الأدبار .
الثالث : قال الفراء{[19849]} : لأنه إذا وحَّد ذهب إلى واحد من ذوات الظِّلال ، وإذا جمع ذهب إلى كلِّها ؛ لأن قوله تعالى { مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ } لفظه واحد ، ومعناه الجمع ، فعبر عن أحدهما بلفظ الواحد ؛ كقوله تعالى { وَجَعَلَ الظلمات والنور } [ الأنعام : 1 ] وقوله عز وجل : { خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ } [ البقرة : 7 ] .
الرابع : أنَّا إذا فسَّرنا اليمين بالمشرق ؛ كانت النقطة التي هي مشرق الشمس واحدة بعينها ، فكانت اليمين واحدة ، وأما الشمائل فهي عبارة عن الانحرافات الواقعة في تلك الظلال بعد وقوعها على الأرض ، وهي كثيرة ؛ فلذلك عبَّر عنها بصيغة الجمع .
الخامس : قال الكرمانيُّ : " يحتمل أن يراد بالشمائل الشمال ، والخلف ، والقُدَّام ؛ لأنَّ الظل يفيء من الجهات كلها ، فبدأ باليمين ؛ لأنَّ ابتداء الفيء منها ، أو تيمُّناً بذكرها ، ثم جمع الباقي على لفظة الشمال ؛ لما بين اليمين ، والشمال من التضادِّ ، ونزَّل القدَّام والخلف منزلة الشمال ؛ لما بينهما وبين اليمين من الخلاف " .
السادس : قال ابن عطية{[19850]} : " وما قال بعض الناس من أنَّ اليمين أول وقعةٍ للظل بعد الزوالِ ، ثم الآخر إلى الغروب ، هي عن الشمائلِ ؛ ولذلك جمع الشمائل ، وأفرد اليمين ؛ فتخليطٌ من القول ، ومبطل من جهات " .
وقال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - : " إذا صليتَ الفجر كان ما بين مطلع الشمس ، ومغربها ظلاَّ ، ثم بعث الله عليه الشمس دليلاً ؛ فقبض إليه الظِّلَّ ؛ فعلى هذا فأول دورة الشمس فالظلُّ عن يمين مستقبل الجنوب ، ثم يبدأ الانحرافُ ، فهو عن الشمائل ؛ لأنه حركاتٌ كثيرة ، وظلالٌ منقطعة ، فهي شمائلُ كثيرة ؛ فكان الظل عن اليمين متصلاً واحداً عامًّا لكل شيءٍ " .
السابع : قال ابن الضائع رحمه الله : " وجمع بالنظر إلى الغايتين ؛ لأنَّ ظل الغداة يضمحلُّ حتى لا يبقى منه إلا اليسيرُ ، فكأنه في جهة واحدة ، وهي بالعشيِّ - على العكس - لاستيلائه على جميع الجهات ، فلحظت الغايتان في الآية ، هذا من جهة المعنى ، وأما من جهة اللفظ ، ففيه مطابقة ؛ لأنَّ " سُجَّداً " جمع ، فطابقه جمع الشَّمائل ؛ لاتصاله به ؛ فحصل في الآية مطابقة اللفظ للمعنى ، ولحظهما معاً ؛ وتلك الغاية في الإعجاز " .
قوله " سُجَّداً " حال من " ظِلالهُ " ، وسُجَّداً جمع ساجدٍ ، كشَاهِدٍ وشُهَّد ورَاكِع ورُكَّع .
والسجودُ : الميل ، يقال : سَجدتِ النَّخلةُ إذا مالتْ ، وسَجدَ البَعيرُ إذَا طَأطَأ رأسه ؛ وقال الشاعر : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَرَى الأكْمَ فِيهَا سُجَّداً للحَوافرِ{[19851]}
فالمراد بهذا السجود التواضعُ .
واعلم أن انتقاص الظلِّ بعد كماله إلى غاية محدودة ثمَّ ازدياده بعد غاية نقصانه ، وتنقله من جهة إلى أخرى على وفقِ تدبير الله ، وتقديره بحسب الاختلافاتِ اليوميَّة الواقعة في شرق الأرض ، وغربها ، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة على وجه مخصوصٍ ، وترتيب معيِّنٍ لا يكون إلا لكونها منقادة لله تعالى خاضعة لتقديره وتدبيره ؛ فكان السجود عبارة عن تلك الحال .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : اختلاف هذه الظلال معلَّلٌ باختلاف سير الشمس لا لأجل تقدير الله ؟ .
فالجوابُ : أنَّا وإن سلمنا ذلك ، فمحرك الشمس بالحركة الخاصَّة ليس إلاَّ الله - تعالى - فدل على أنَّ اختلاف أحوال هذه الظلال لم يقع إلا بتدبير الله تعالى ، وقيل : هذا سجود حقيقة ؛ لأن هذه الظلال واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد ، قال أبو العلاء المعرِّي ، في صفة وادٍ : [ الطويل ]
بِخَرْقٍ يُطِيلُ الجُنْحَ فِيهِ سُجودَهُ *** وللأرْضِ زِيّ الرَّاهبِ المُتعبِّدِ{[19852]}
فلمّا كان شكل الأظلال يشبه شكل الساجدين ، أطلق عليه السجود ، وكان الحسنُ يقول : أما ظلُّك ، فسجد لربِّك ، وأما أنت ، فلا تسجد له ؛ بئسما صنعت .
وعن مجاهدٍ : ظلُّ الكافر يصلِّي ، وهو لا يصلِّي{[19853]} ، وقيل : ظلُّ كلِّ شيءٍ يسجد لله ، سواء كان ذلك ساجداً لله ، أم لا .
قوله : { وَهُمْ دَاخِرُونَ } في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها حال من الهاء في " ظِلالهُ " . قال الزمخشريُّ : " لأنه في معنى الجمع ، وهو ما خلق الله من كلِّ شيءٍ له ظل ، وجمع بالواو والنون ؛ لأنَّ الدُّخورَ من أوصاف العقلاء ، أو لأنَّ في جملة ذلك من يعقل فغلب " .
وقد ردَّ أبو حيَّان هذا بأن الجمهور لا يجيزون مجيء الحالِ من المضاف إليه ، وهو نظير جَاءنِي غُلامُ هِندٍ ضَاحِكَةً ، قال : " ومن أجاز مجيئها منه إذا كان المضاف جزءاً ، أو كالجزءِ جوز الحالية منه هنا ؛ لأنَّ الظل كالجزء ؛ إذ هو ناشئ عنه " .
الثاني : أنها حال من الضمير المستتر في " سُجَّدًا " فهي حال متداخلة .
الثالث : أنها حال من " ظِلالهُ " فينتصب عنه حالان ، ثم لك في هذه الواو اعتباران :
أحدهما : أن تجعلها عاطفة حالاً على مثلها ، فهي عاطفة ، وليست بواو حالٍ ، وإن كان خلو الجملة الاسميَّة الواقعة حالاً من الواو قليلاً أو ممتنعاً على رأي ، وممن صرح بأنها عاطفة : أبو البقاءِ .
والثاني : أنها واوُ الحال ، وعلى هذا فيقال : كيف يقتضي العامل حالين ؟ .
فالجواب : أنه جاز ذلك ؛ لأن الثانية بدلٌ من الأولى ، فإن أريد بالسجود التَّذلل والخضوع ، فهو بدل كل من كل ، وإن أريد به [ حقيقته ]{[19854]} ، فهو بدل اشتمالٍ ، إذ السجود مشتمل على الدخور .
ونظير ما نحن فيه : " جَاءَ زيْدٌ ضَاحِكاً وهو شاك " فقولك : " وهو شاك " يحتمل الحاليَّة من " زَيْدٍ " أو ضمير " ضَاحِكاً " ، والدُّخورُ : التواضع ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]
فَلمْ يَبْقَ إلاَّ دَاخِرٌ في مُخَيَّسٍ *** ومُنْجَحِر في غَيْرِ أرْضِكَ في جُحْرِ{[19855]}