المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

49- ووضع في يد كل واحد كتاب أعماله ، فَيبْصره المؤمنون فرحين مما فيه ، ويبصره الجاحدون خائفين مما فيه من الأعمال السيئة ، ويقولون إذا رأوها : يا هلاكنا ، إنا نعجب لهذا الكتاب الذي لم يترك من أعمالنا صغيرة ولا كبيرة إلا سجَّلها علينا ، ووجدوا جزاء ما عملوا حقاً ، ولا يظلم ربك أحداً من عباده .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

فحينئذ تحضر كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة الكرام{[491]}  فتطير لها القلوب ، وتعظم من وقعها الكروب ، وتكاد لها الصم الصلاب تذوب ، ويشفق منها المجرمون ، فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم ، محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم ، قالوا : { يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } أي : لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة ، إلا وهي مكتوبة فيه ، محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية ، ولا ليل ولا نهار ، { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } لا يقدرون على إنكاره { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } فحينئذ يجازون بها ، ويقررون بها ، ويخزون ، ويحق عليهم العذاب ، ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد ، بل هم غير خارجين عن عدله وفضله .


[491]:- في ب: الأبرار.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

47

وبعد إحياء المشهد واستحضاره بهذا الالتفات من الوصف إلى الخطاب يعود إلى وصف ما هناك :

( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ) فهذا هو سجل أعمالهم يوضع أمامهم ، وهم يتملونه ويراجعونه ، فإذا هو شامل دقيق . وهم خائفون من العاقبة ضيقو الصدور بهذا الكتاب الذي لا يترك شاردة ولا واردة ، ولا تند عنه كبيرة ولا صغيرة : 18 : لون : يا ويلتنا . ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أحصاها ? وهي قولة المحسور المغيظ الخائف المتوقع لأسوأ العواقب ، وقد ضبط مكشوفا لا يملك تفلتا ولا هربا ، ولا مغالطة ولا مداورة : ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) ولاقوا جزاء عادلا : ( ولا يظلم ربك أحدا ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

وقوله : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ } أي : كتاب الأعمال ، الذي فيه الجليل والحقير ، والفتيل والقطمير ، والصغير والكبير { فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } أي : من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة ، { وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا } أي : يا حسرتنا وويلنا{[18236]} على ما فرطنا في أعمارنا { مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا } أي : لا يترك ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا ولا عملا وإن صغر { إِلا أَحْصَاهَا } أي : ضبطها ، وحفظها .

وروى الطبراني ، بإسناده المتقدم في الآية قبلها ، إلى سعد ابن جنادة قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حُنَيْن ، نزلنا قفرًا من الأرض ، ليس فيه شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا ، من وجد عُودًا فليأت به ، ومن وجد حطبًا أو شيئًا فليأت به . قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه رُكامًا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أترون هذا ؟ فكذلك تُجْمَع الذنوب على الرجل منكم كما جَمَعْتُم هذا . فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، فإنها مُحْصَاة عليه " {[18237]}

وقوله : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } أي : من خير أوشر كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [ آل عمران : 30 ] ، وقال تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] وقال تعالى : { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } [ الطارق : 9 ] أي : تظهر المخبآت والضمائر .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل غادر لواء يومَ القيامة [ يعرف به " {[18238]} .

أخرجاه في الصحيحين ، وفي لفظ : " يُرْفَع لكل غادر لواء يومَ القيامة ]{[18239]} عند استه بقدر غَدْرته ، يقال : هذه غَدْرَة فلان بن فلان " {[18240]}

وقوله : { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } أي : فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعًا ، ولا يظلم أحدا من خلقه ، بل يعفر{[18241]} ويصفح ويرحم ويعذب من يشاء ، بقدرته وحكمته وعدله ، ويملأ النار من الكفار وأصحاب المعاصي ، [ ثم ينجي أصحاب المعاصي ]{[18242]} ويُخلَّد فيها الكافرون{[18243]} وهو الحاكم الذي لا يجور ولا يظلم ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء : 40 ] وقال : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] والآيات في هذا{[18244]} كثيرة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا همام بن يحيى ، عن القاسم بن عبد الواحد المكي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتريت بعيرًا ثم شددت عليه رَحْلي ، فسرت عليه شهرًا ، حتى قدمت عليه الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس{[18245]} فقلت للبواب : قل له : جابر على الباب . فقال : ابن عبد الله ؟ فقلت : نعم . فخرج يطأ ثوبه ، فاعتنقني واعتنقته ، فقلت : حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص ، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسَمَعه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشُر الله ، عز وجل الناس يوم القيامة - أو قال : العبادَ - عُرَاةَ غُرْلا بُهْمًا " قلت : وما بهمًا ؟ قال : " ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قَربَ : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وله عند أحد من أهل الجنة حق ، حتى أقصه{[18246]} منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، وله عند رجل من أهل النار حق ، حتى أقصه{[18247]} منه حتى اللطمة " . قال : قلنا : كيف ، وإنما نأتي الله ، عز وجل ، حفاة عُراة غُرْلا بُهْمًا ؟ قال : بالحسنات والسيئات " {[18248]} .

وعن شعبة ، عن العوام بن مُزَاحم ، عن أبي عثمان ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجَمَّاء لتقتص من القرناء يوم القيامة " {[18249]} رواه عبد الله بن الإمام أحمد وله شواهد من وجوه أخر ، وقد ذكرناها عند قوله : { وَنَضَعُ{[18250]} الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } [ الأنبياء : 47 ] وعند قوله تعالى : { إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ]


[18236]:في ت، ف، أ: "وويلتنا".
[18237]:المعجم الكبير (6/52).
[18238]:المسند (3/142).
[18239]:زيادة من ف.
[18240]:صحيح البخاري برقم (3186) وصحيح مسلم برقم (1737).
[18241]:في ت، ف: "يعفو".
[18242]:زيادة من ف.
[18243]:في ف: "الكافرين".
[18244]:في ت: "في هذه"، وفي ف: "فيهما".
[18245]:في ت: "أنس".
[18246]:في ت، ف، أ: "أقضيه".
[18247]:في ت، ف، أ: "أقضيه".
[18248]:المسند (3/495).
[18249]:زوائد المسند (1/12).
[18250]:في ت: "ويضع".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

{ الكتاب } اسم جنس ، يراد به كتب الناس التي أحصاها الحفظة لواحد واحد ، ويحتمل أن يكون الموضوع كتاباً واحداً حاضراً ، و «إشفاق المجرمين » : فزعهم من كشفه لهم وفضحه فشكاية المجرمين إنما هي من الإحصاء لا من ظلم ولا حيف ، وقدم الصغيرة اهتماماً بها ، لينبه منها ، ويدل أن الصغيرة إذا أحصيت ، فالكبيرة أحرى بذلك ، والعرب أبداً تقدم في الذكر الأقل من كل مقترنين ، ونحو هذا هو قولهم : القمران والعمران{[7823]} ، سموا باسم الأقل تنبيهاً منهم ، وقال ابن عباس : «الصغيرة » الضحك ، وهذا مثال ، وباقي الآية بين .


[7823]:"القمران" تقال للشمس والقمر، و "العمران" تقال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويسمى هذا التغليب.