فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

{ ووضع } العامة على بنائه للمفعول ، وزيد ابن علي على بنائه للفاعل وهو الله أو الملك وقواه { الكتاب } مرفوع على الأول ومنصوب على الثاني ، والمراد به صحائف الأعمال ، وإفراده لكون التعريف فيه للجنس والوضع إما حسي بأن توضع صحيفة كل واحد في يده ، السعيد في يمينه والشقي في شماله أو في الميزان وإما عقلي أي ظهر عمل كل واحد من خير أو شر بالحساب الكائن في ذلك اليوم وقيل : توضع بين يدي الله تعالى .

{ فترى المجرمين مشفقين مما فيه } أي خائفين وجلين مما في الكتاب الموضوع من الأعمال السيئة لما يتعقب ذلك من الافتضاح في ذلك الجمع والمجازاة بالعذاب الأليم { ويقولون } إذا رأوها { يا ويلتنا } يدعون على أنفسهم بالويل لوقوعهم في الهلاك وهو مصر لا فعل له من لفظه ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك ففيه استعارة مكنية وتخييلية ، وفيه تقريع لهم وإشارة إلى

أنه لا صاحب لهم غير الهلاك وطلبوا هلاكهم لئلا يروا ما هم فيه وقد تقدم تحقيقه في المائدة .

{ ما } أي شيء ثبت { لهذا الكتاب } حال كونه { لا يغادر } لا يترك معصية { صغيرة ولا } معصية { كبيرة إلا أحصاها } أي أعدها وحواها وضبطها وأثبتها ، قال ابن عباس : الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك ، وفي لفظ عنه الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة بذلك ، وقال سعيد بن جبير الصغيرة الهم والمس والقبلة والكبيرة الزنا .

وأقول صغيرة وكبيرة نكرتان في سياق النفي فيدخل تحت ذلك كل ذنب يتصف بالصغر وكل ذنب يتصف بالكبر فلا يبقى شيء من الذنوب إلا أحصاه الله وما كان من الذنوب ملتبسا بين كونه صغيرا أو كبيرا فذلك إنما هو بالنسبة إلى العباد لا بالنسبة إلى الله سبحانه ، وهذا لا ينافي قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } الآية . إذ لا يلزم من العد عدم التكفير إذ يجوز أن تكتب الكبائر ليشاهدها العبد يوم القيامة ثم تكفر عنه فعلم قدر نعمة العفو عليه ، قاله الكرخي والاستفهام للتعجب منه في ذلك .

{ ووجدوا ما عملوا } في الدنيا من المعاصي الموجبة للعقوبة أو وجدوا جزاء ما عملوا { حاضرا } مكتوبا مثبتا في كتابهم { ولا يظلم ربك أحدا } أي لا يعاقب أحدا من عباده بغير ذنب وجرم ولا ينقص فاعل الطاعة من أجره الذي يستحقه وإنما سمي هذا ظلما بحسب عقولنا لو خليت ونفسها ولو فعله الله لم يكن ظلما في حقه لأنه لا يسأل عما يفعل .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات : فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما العرضة الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ) {[1122]} أخرجه الترمذي وقال : لا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أبي موسى .


[1122]:الترمذي كتاب القيامة باب4 – الإمام أحمد 4/414.