غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

47

{ ووضع الكتاب } أي جنسه وهو صحف الأعمال . والوضع إما حسي وهو أن يوضع كتاب كل إنسان في يده إما في اليمين أو في الشمال ، وإما عقلي ومعناه النشر والاعتبار . { فترى المجرمين مشفقين } خائفين مما في الكتاب لأن الخائن خائف خوف العقاب وخوف الافتضاح . ومعنى النداء في { يا ويلتنا } قد مر في " المائدة " في

{ يا ويلتي أعجزت } [ الآية : 31 ] وقوله : { صغيرة ولا كبيرة } صفتان للهيئة أو المعصية أو الفعلة وهي عبارة عن الإحاطة وضبط كل ما صدر عنهم ، لأن الأشياء إما صغار وإما كبار ، فإذا حصر الصنفين فقد حصر الكل . وعن الفضيل : ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر . قلت : وذلك أن تلك الصغائر هي التي جرأتهم على الكبائر . وعن ابن عباس : الصغير التبسم والكبيرة القهقهة . وعن سعيد بن جبير : الصغيرة المسيس والكبيرة الزنا . وجوّز في الكشاف أن يريد ما كان عندهم صغائر وكبائر . وتمام البحث في المسألة أسلفناه في أوائل سورة النساء في تفسير قوله :

{ أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } [ النساء : 31 ] فتذكر { ووجدوا ما عملوا حاضراً } في الصحف مثبتاً فيها أو وجدوا أجزاء ما عملوا ظاهراً على صفحات أحوالهم { ولا يظلم ربك أحداً } استدل الجبائي به على بطلان مذهب الأشاعرة في أن الأطفال يجوز أن تعذب بذنوب آبائهم فإن ذلك ظلم . والجواب أن الظلم إنما يتصوّر في حق من تصرف في غير ملكه قالوا : لو ثبت أن له بحكم المالكية أن يفعل ما يشاء من غير اعتراض عليه لم يكن لهذا الإخبار فائدة . وأجيب بأن تلك القضية بعد الدلائل العقلية علمت من مثل هذه الآية . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحاسب الناس في القيامة على ثلاثة : يوسف وأيوب وسليمان يدعو المملوك فيقول له : ما شغلك عني ؟ فيقول جعلتني عبد الآدمي فلم تفرغني فيدعو يوسف فيقول : كان هذا عبداً مثلك ثم يمنعه ذلك أن عبدني فيؤمر به إلى النار . ثم يدعى بالمبتلى فإذا قال : أشغلتني بالبلاء دعا بأيوب فيقول : قد ابتليت هذا بأشد من بلائك فلم يمنعه ذلك عن عبادتي ويؤمر به إلى النار ، ثم يؤتى بالملك في الدنيا مع آتاه الله من الغنى والسعة فيقول : ماذا عملت فيما آتيتك فيقول : شغلني الملك عن ذلك فيدعى بسليمان فيقول : هذا عبدي سليمان آتيته أكثر مما آتيتك فلم يشغله ذلك عن عبادتي اذهب فلا عذر لك فيؤمر به إلى النار "

/خ59