تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

47

المفردات :

ووضع الكتاب : وضعت صحائف أعمال البشر في أيديهم .

مشفقين : خائفين .

الويل : الهلاك .

أحصاها : عدّها وأحاط بها .

حاضرا : مسطورا في كتاب كل منهم .

ولا يظلم ربك أحدا : لا يعاقب إنسانا بغير جزم ، ولا ينقص من ثواب المحسنين .

التفسير :

49- { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه . . . }

أي : وضعت صفائح الأعمال للبشر وعرضت عليهم ، وفي هذه الصحف الجليل والحقير .

{ ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } .

أي : يا حسرتنا ويا هلاكنا على ما فرطنا في حياتنا الدنيا ، ما شأن هذا الكتاب ، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ضبطها وأحاط بها ! ! !

{ ووجدوا ما عملوا حاضرا } .

أي : من خير وشرح وجدوه مثبتا في الكتاب .

قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } . ( آل عمران : 30 ) .

وقال سبحانه : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } . ( القيامة : 13 ) .

{ ولا يظلم ربك أحدا } ، أي : لا يعاقب إنسانا بدون جرم ، ولا ينقص من ثواب المحسنين ؛ فهو سبحانه عادل في حكمه ، وكريم متفضل أيضا ، قال تعالى : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } . ( النساء : 40 ) .

وقال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } . ( الأنبياء : 47 ) . روى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته بقدر غدرته ، يقال : هذه غدرة فلان بن فلان )40 .

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يحشر الناس يوم القيامة ، حفاة عراة غرلا بُهما ) قلت : وما بُهما ؟ قال : ( ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الدّيان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق ؛ حتى أقضيه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند رجل من أهل النار حق حتى أقضيه منه ، حتى اللطمة ) قال : قلنا : كيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا بهما ؟ ! قال : ( بالحسنات والسيئات )41 .

وتفيد الآيات السابقة : عرض مشاهد القيامة ، وعدالة الحساب ، وندم المجرمين ، وأن الجزاء الحق من جنس العمل ، قال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . ( الزلزلة : 8 ، 7 ) .