قوله : { وَوُضِعَ الكتاب } : العامة على بنائه للمفعول ، وزيد{[21133]} بن عليٍّ على بنائه للفاعل ، وهو الله ، أو الملك ، و " الكِتاب " منصوب مفعولاً به ، و " الكتابُ " جنس للكتب ؛ إذ من المعلوم أنَّ لكلِّ إنسانٍ كتاباً يخصُّه ، وقد تقدَّم الوقف على " مَا لهذا الكتابِ " وكيف فصلت لام الجرِّ من مجرورها خطًّا في سورة النساء عند { فَمَا لهؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [ النساء : 78 ] .
و " لا يُغَادِرُ " جملة حالية من " الكتاب " . والعامل الجار والمجرور ؛ لقيامه مقام الفعل ، أو الاستقرار الذي تعلق به الحال .
قوله : " إلاَّ أحْصَاهَا " في محل نصب نعتاً لصغيرة وكبيرة ، ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني ؛ لأنَّ " يُغَادِرُ " بمعنى " يترك " و " يتركُ " قد يتعدَّى لاثنين ؛ كقوله : [ البسيط ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . *** فَقدْ تَركْتُكَ ذَا مَالٍ وذَا نَشبِ{[21134]}
روى أبو هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " يُحشَرُ النَّاس على ثلاثِ طرائقَ رَاغبينَ رَاهبينَ ، فاثْنانِ على بَعيرٍ ، وثَلاثةٌ على بَعيرٍ ، وأرْبعةٌ على بَعيرٍ ، وعَشرةٌ على بَعيرٍ ، وتَحشُرُ بقيَّتهُم النَّارُ ، تَقيلُ مَعهُمْ ، حَيْثُ قَالُوا ، وتَبِيتُ معهم ؛ حيث باتوا ، وتُصْبِحُ معهم ، حيث أصبحُوا ، وتمسي معهم ، حيث أمسوا " {[21135]} .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " قلت : يا رسول الله كيف يُحْشَر النَّاسُ يوم القِيامة ؟ قال : حُفاةً عُراةً ، قالت : قلتُ : والنِّساء ؟ قال : والنِّساء ، قالت : قلت : يا رسول الله ، أستحي ، قال : يا عائشة ، الأمر أشدُّ من ذلك ؛ أن يهمهم أن ينظر بعضهم لبعض " {[21136]} .
ووضع الكتابُ ، يعني كتب أعمال العباد ، توضع في أيدي الناس في أيمانهم .
وقيل : توضعُ بين يدي الله عزَّ وجلَّ ، { فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ } خائفين { مِمَّا فِيهِ } في الكتاب من الأعمال الخبيثة ، كيف تظهر لأهل الموقف ، فيفتضحون { وَيَقُولُونَ } إذا رأوها : { ياويلتنا } يا هلاكنا ، والويلُ والويلة : الهلكة ، وكأنَّ كلَّ من وقع في مهلكة ، دعا بالويل ، ومعنى النِّداء تنبيه المخاطبين .
{ مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } من ذنوبنا .
قال ابن عباس : الصَّغيرة : التبسُّم ، والكبيرة : القهقهة{[21137]} .
قال سعيد بن جبير : الصغيرة : اللَّمم ، [ والمسُّ ، و القبلة ]{[21138]} ، والكبيرة : الزِّنا{[21139]} .
{ إِلاَّ أَحْصَاهَا } وهو عبارة عن الإحاطة ، أي : ضبطها وحصرها ، وإدخال تاء التأنيث في الصغيرة والكبيرة ، على تقدير أنَّ المراد الفعلة الصغيرة والكبيرة .
قال - عليه الصلاة والسلام - : " إيَّاكُم ومحقِّرات الذنوب ؛ فإنَّما مثلُ محقِّرات الذنوب ؛ مثل قوم نزلوا ببطنِ وادٍ ، فجاء هذا بعودٍ ، وجاء هذا بعودٍ ، وجاء هذا بعودٍ ، حتَّى أنضجوا خبزتهم ، وإنَّ محقِّراتِ الذنوب لموبقاتٌ " {[21140]} .
{ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } مكتوباً في الصَّحيفة .
{ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } لا ينقص ثواب أحدٍ عمل خيراً .
وقال الضحاك : لم يؤاخذ أحداً بجرم لم يعمله{[21141]} .
قال الجبائي{[21142]} : هذه الآية تدلُّ على فساد قول المجبرة في مسائل :
أحدها : أنه لو عذَّب عباده من غير ذنب صدر منهم ، لكان ظالماً .
وثانيها : أنه لا يعذِّب الأطفال بغير ذنب .
وثالثها : بطلان قولهم : لله أن يفعل ما شاء ، ويعذِّب من غير جرم ؛ لأنَّ الخلق خلقه ، إذ لو كان كذلك ، لما كان لنفي الظلم عنه معنى ؛ لأنَّ بتقدير أنه إذا فعل أي شيءٍ ، لم يكن ظلماً منه ؛ لم يكن لقوله : " إنَّه لا يظلمُ " فائدة .
فإن قيل : أيُّ فائدة في ذلك ؟ .
فالجواب عن الأوَّل بمعارضة العلم والدَّاعي .
وعن الثاني : أنَّه تعالى ، قال : { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [ مريم : 35 ] ولم يدلَّ هذا على أنَّ اتخاذ الولد يصحُّ عليه ، فكذلك ها هنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.