تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

{ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي : من شر ما يكون في الليل ، حين يغشى الناس ، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة ، والحيوانات المؤذية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

( ومن شر غاسق إذا وقب ) . . والغاسق في اللغة الدافق ، والوقب النقرة في الجبل يسيل منها الماء . والمقصود هنا - غالبا - هو الليل وما فيه . الليل حين يتدفق فيغمر البسيطة . والليل حينئذ مخوف بذاته . فضلا على ما يثيره من توقع للمجهول الخافي من كل شيء : من وحش مفترس يهجم . ومتلصص فاتك يقتحم . وعدو مخادع يتمكن . وحشرة سامة تزحف . ومن وساوس وهواجس وهموم وأشجان تتسرب في الليل ، وتخنق المشاعر والوجدان ، ومن شيطان تساعده الظلمة على الانطلاق والإيحاء . ومن شهوة تستيقظ في الوحدة والظلام . ومن ظاهر وخاف يدب ويثب ، في الغاسق إذا وقب !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

{ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال مجاهد : غاسقُ الليلُ إذا وقبَ : غُروبُ الشمس ، حكاه البخاري عنه . ورواه ابن أبي نَجِيح ، عنه ، وكذا قال ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والضحاك ، وخُصَيف ، والحسن ، وقتادة : إنه الليل إذا أقبل بظلامه .

وقال الزهري : { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } : الشمس إذا غربت . وعن عطية وقتادة : إذا وقب الليل : إذا ذهب . وقال أبو المهزم ، عن أبي هريرة : { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } كوكب . وقال ابن زيد : كانت العرب تقول : الغاسق سقوط الثريا ، وكان{[30843]} الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها .

قال ابن جرير : ولهؤلاء من الأثر ما حدثني نصر بن علي ، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال : النجم الغاسق " {[30844]} .

قلت : وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

قال ابن جرير : وقال آخرون : هو القمر .

قلت : وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا أبو داود الحَفري ، عن ابن أبي ذئب ، عن الحارث ، عن أبي سلمة قال : قالت عائشة ، رضي الله عنها : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فأراني القمر حين يطلع ، وقال : " تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " .

ورواه الترمذي والنسائي ، في كتابي التفسير من سننيهما ، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب ، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن ، به{[30845]} . وقال الترمذي : حسن صحيح . ولفظه : " تعوذي بالله من شر هذا ، فإن هذا الغاسق إذا وقب " . ولفظ النسائي : " تعوَّذي بالله من شر هذا ، هذا الغاسق إذا وقب " .

قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج : هذا لا ينافي قولنا ؛ لأن القمر آيةُ الليل ، ولا يوجد له سلطان إلا فيه ، وكذلك النجوم لا تضيء ، إلا في الليل ، فهو يرجع إلى ما قلناه ، والله أعلم .


[30843]:في م: "وكانت".
[30844]:تفسير الطبري (30/227).
[30845]:المسند (6/61) وسنن الترمذي برقم (3366) وسنن النسائي الكبرى برقم (10138).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

وقوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول : ومن شرّ مظلم إذا دخل ، وهجم علينا بظلامه .

ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عُنِي في هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه ، فقال بعضهم : هو الليل إذا أظلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : الليل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، قال : أنبأنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : أوّل الليل إذا أظلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا أبو صخر ، عن القرظي أنه كان يقول في : { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول : النهار إذا دخل في الليل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل من أهل المدينة ، عن محمد بن كعب { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : هو غروب الشمس إذا جاء الليل ، إذا وقب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { غاسِقٍ } قال : الليل { إذَا وَقَبَ } قال : إذا دخل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : الليل إذا أقبل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : إذا جاء .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله { إذَا وَقَبَ } يقول : إذا أقبل .

وقال بعضهم : هو النهار إذا دخل في الليل ، وقد ذكرناه قبلُ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل من أهل المدينة ، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : هو غروب الشمس إذا جاء الليل ، إذا وجب .

وقال آخرون : هو كوكب . وكان بعضهم يقول : ذلك الكوكب هو الثّريا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا سليمان بن حِبّان ، عن أبي المُهَزّم ، عن أبي هريرة في قوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : كوكب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : كانت العرب تقول : الغاسق : سقوط الثريا ، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها .

ولقائلي هذا القول عِلّة من أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو ما :

حدثنا به نصر بن عليّ ، قال : حدثنا بكار بن عبد الله بن أخي هَمّام ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : النجم الغاسق .

وقال آخرون : بل الغاسق إذا وقب : القمر ، ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان ، قال : حدثنا أبي ويزيد بن هارون به .

وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن خاله الحرث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم نظر إلى القمر ، ثم قال : «يا عائِشَةُ ، تَعَوّذِي باللّهِ مِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ ، وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ » ، وهذا لفظ حديث أبي كُرَيب وابن وكيع . وأما ابن حُمَيد ، فإنه قال في حديثه : قالت أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : «أتَدْرِينَ أيّ شَيْءٍ هَذَا ؟ تَعَوّذِي باللّهِ مِنْ شَرّ هَذَا ، فإنّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ » .

حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الحرث بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر . فقال : «يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللّهِ مِنْ شَرّ هَذَا ، فإنّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ » .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، أن يقال : إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ { مِنْ شَرّ غاسِقٍ } وهو الذي يُظْلم ، يقال : قد غَسَق الليل يَغْسُق غسوقا : إذا أظلم . { إذَا وَقَبَ } يعني : إذا دخل في ظلامه ، والليل إذا دخل في ظلامه غاسق ، والنجم إذا أفل غاسق ، والقمر غاسق إذا وقب ، ولم يخصص بعض ذلك ؛ بل عمّ الأمر بذلك ، فكلّ غاسق ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب . وكان قتادة يقول في معنى وقب : ذهب .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : إذا ذهب .

ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب ؛ بل المعروف من كلامها من معنى وقب : دخل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

{ ومن شر غاسق } ليل عظيم ظلامه من قوله :{ إلى غسق الليل } ، وأصله الامتلاء ، يقال : غسقت العين إذا امتلأت دمعا ، وقيل : السيلان ، وغسق الليل انصباب ظلامه ، وغسق العين سيلان دمعه . { إذا وقب } : دخل ظلامه في كل شيء ، وتخصيصه ؛ لأن المضار فيه تكثر ، ويعسر الدفع ، ولذلك قيل : الليل أخفى للويل ، وقيل : المراد به القمر ، فإنه يكسف فيغسق ، ووقوبه دخوله في الكسوف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

عطف أشياء خاصة هي ممَّا شمِله عموم { من شر ما خلق } [ الفلق : 2 ] ، وهي ثلاثة أنواع من أنواع الشرور :

أحدها : وقت يغلب وقوع الشر فيه وهو الليل .

والثاني : صنف من الناس أقيمت صناعتهم على إرادة الشر بالغير .

والثالث : صنف من الناس ذُو خُلُق من شأنه أن يبعث على إلحاق الأذى بمن تعلق به .

وأعيدت كلمة { من شر } بعد حرف العطف في هذه الجملة . وفي الجملتين المعطوفتين عليها مع أن حرف العطف مغنٍ عن إعادة العامل قصداً لتأكيد الدعاء ، تعرضاً للإِجابة ، وهذا من الابتهال فيناسبه الإِطناب .

والغاسق : وصف الليل إذا اشتدت ظلمته يقال : غَسَق الليل يغسق ، إذا أظلم قال تعالى : { إلى غسق الليل } [ الإسراء : 78 ] ، فالغاسق صفة لموصوف محذوف لظهوره من معنى وصفه مثل الجواري في قوله تعالى : { ومن آياته الجوار في البحر } [ الشورى : 32 ] وتنكير { غاسق } للجنس لأن المراد جنس الليل .

وتنكير { غاسق } في مقام الدعاء يراد به العموم لأن مقام الدعاء يناسب التعميم . ومنه قول الحريري في المقامة الخامسة : « يا أهل ذا المعنى وقيتُم ضُراً » أي وقيتم كل ضر .

وإضافة الشر إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى : { بَلْ مَكْرُ الليل والنهارِ } [ سبأ : 33 ] .

والليل : تكثر فيه حوادث السوء من اللصوص والسباع والهوام كما تقدم آنفاً .

وتقييد ذلك بظرف { إذا وقب } أي إذا اشتدت ظلمته لأن ذلك وقت يتحيّنه الشطَّار وأصحاب الدعارة والعَيث ، لتحقّق غلبَة الغفلة والنوم على الناس فيه ، يقال : أغْدَر الليلُ ، لأنه إذا اشتد ظلامه كثر الغدْر فيه ، فعبر عن ذلك بأنه أغدَر ، أي صار ذا غَدر على طريق المجاز العقلي .

ومعنى { وقب } دخل وتغلغل في الشيء ، ومنه الوَقْبة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء ، ووقبت الشمس غابت ، وخُص بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعاً لحصول المكروه .