السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

وقوله تعالى : { ومن شر غاسق إذا وقب } فيه أوجه : أحدها : ما روي عن عائشة قالت : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال : " يا عائشة ، استعيذي بالله من شر هذا ، فإنّ هذا هو الغاسق إذا وقب » ، أخرجه الترمذي ، وقال : حديث صحيح حسن ، فعلى هذا المراد به القمر إذا خسف واسود وذهب ضوءه ، أو إذا دخل في المحاق ، وهو آخر الشهر ، وفي ذلك الوقت يتم السحر المؤثر للتمريض ، وهذا مناسب لسبب نزول هذه السورة .

ثانيها : ما روي عن ابن عباس : أنّ الغاسق الليل إذا وقب ، أي : أقبل بظلمته من المشرق ، وسمي الليل غاسقاً ؛ لأنه أبرد من النهار . والغسق : البرد ، وإنما أمر بالتعوّذ من الليل ؛ لأنّ فيه الآفات ، ويقل الغوث ، ومنه قولهم : الليل أخفى للويل ، وقولهم : أعذر الليل ؛ لأنه إذا أظلم كثر فيه العدوّ ، وفيه يتم السحر ، وأسند الشر إليه لملابسته له من حدوثه فيه .

ثالثها : إنه الثريا إذا سقطت وغابت ، ويقال : إنّ الأسقام تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها ، فلهذا أمر بالتعوّذ من الثريا عند سقوطها .

رابعها : أنه الأسود من الحيات ، ووقبه : ضربه ونقبه ، والوقب : الثقب ، ومنه : وقبت الثريد .