فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

{ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق الليل ، والغسق الظلمة ، يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم . قال الفراء : يقال غسق الليل وأغسق إذا أظلم ، ومنه قول قيس بن الرقيات :

إن هذا الليل قد غسقا *** واشتكيت الهمّ والأرقا

وقال الزجاج : قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار ، والغاسق البارد ، والغسق البرد ، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها والهوامّ من أماكنها ، وينبعث أهل الشرّ على العبث والفساد ، كذا قال ، وهو : قول بارد ، فإن أهل اللغة على خلافه ، وكذا جمهور المفسرين ووقوبه : دخول ظلامه ، ومنه قول الشاعر :

وقب العذاب عليهم فكأنهم *** لحقتهم نار السموم فأخمدوا

أي دخل العذاب عليهم . ويقال وقبت الشمس : إذا غابت ، وقيل : الغاسق الثريا . وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك ، وبه قال ابن زيد . وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق . وقال الزهري : هو الشمس إذا غربت ، وكأنه لاحظ معنى الوقوب ولم يلاحظ معنى الغسوق . وقيل : هو القمر إذا خسف ، وقيل : إذا غاب . وبهذا قال قتادة وغيره . واستدلوا بحديث أخرجه أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال : «يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب » . قال الترمذي : بعد إخراجه حسن صحيح ، وهذا لا ينافي قول الجمهور ، لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه ، وهكذا يقال في جواب من قال : إنه الثريا . قال ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر . وقيل الغاسق : الحية إذا لدغت . وقيل الغاسق : كل هاجم يضرّ كائناً ما كان ، من قولهم غسقت القرحة : إذا جرى صديدها . وقيل : الغاسق هو السائل ، وقد عرّفناك أن الراجح في تفسير هذه الآية هو ما قاله أهل القول الأوّل ، ووجه تخصيصه أن الشرّ فيه أكثر ، والتحرز من الشرور فيه أصعب ، ومنه قولهم : الليل أخفى للويل .

/خ5