البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

وقب الليل : أظلم ؛ والشمس : غابت ، والعذاب : حل . قال الشاعر :

وقب العذاب عليهم فكأنهم *** لحقتهم نار السموم فأحصدوا

والغاسق : الليل ، ووقب : أظلم ودخل على الناس ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد ، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال : والغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه .

من قوله تعالى : { إلى غسق الليل } ومنه : غسقت العين : امتلأت دمعاً ، وغسقت الجراحة : امتلأت دماً ، ووقوبه : دخول ظلامه في كل شيء ، انتهى .

وقال الزجاج : هو الليل لأنه أبرد من النهار ، والغاسق : البارد ، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك .

قال الشاعر :

يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقاً *** إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا

وقال محمد بن كعب : النهار دخل في الليل .

وقال ابن شهاب : المراد بالغاسق : الشمس إذا غربت .

وقال القتبي وغيره : هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف .

وفي الحديث : « نظر صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال : يا عائشة ، نعوذ بالله من هذا ، فإنه الفاسق إذا وقب » وعنه صلى الله عليه وسلم : « الغاسق النجم » وقال ابن زيد عن العرب : الغاسق : الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك .

وقيل : الحية إذا لدغت ، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه .