النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

{ ومن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : يعني الشمس إذا غربت ، قاله ابن شهاب .

الثاني : القمر إذا ولج ، أي دخل في الظلام .

روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم نظر إلى القمر فقال : " يا عائشة ، تعوذي بالله من شر غاسقٍ إذا وقب ، وهذا الغاسق إذا وقب " {[3378]} .

الثالث : أنه الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها ، قاله ابن زيد .

الرابع : أنه الليل ؛ لأنه يخرج السباع من آجامها ، والهوام من مكامنها ، ويبعث أهل الشر على العبث والفساد ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي ، قال الشاعر :

يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا *** إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا

وأصل الغسق الجريان بالضرر ، مأخوذ من قولهم : غسقت القرحة إذا جرى صديدها ، والغسّاق : صديد أهل النار ، لجريانه بالعذاب ، وغسقت عينه إذا جرى دمعها بالضرر في الحلق{[3379]} .

فعلى تأويله أنه الليل في قوله :{ إذا وقب }أربعة تأويلات :

أحدها : إذا أظلم ، قاله ابن عباس .

الثاني : إذا دخل ، قاله الضحاك .

الثالث : إذا ذهب ، قاله قتادة .

الرابع : إذا سكن ، قاله اليمان بن رئاب .


[3378]:رواه الترمذي عن عائشة كما أخرجه النسائي والحاكم وأحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى.
[3379]:هكذا في الأصل. وفي اللسان –غسق: الغسق هملان العين بالعمش والماء.