غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

وذكر في الغاسق وجوه ؛ فعن الفراء وأبي عبيدة : هو الليل إذا جنّ ظلامه ، ومنه غسقت العين أو الجراحة إذا امتلأت دمعاً أو دماً . وقال الزجاج : هو البارد ، وسمي الليل غاسقاً ؛ لأنه أبرد من النهار ، فعلى هذا لعله أريد به الزمهرير . وقال قوم : هو السائل من قولهم : غسقت العين تغسق غسقاً إذا سالت بالماء ، وسمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه على الأرض . قلت : ولعل الاستعاذة على هذا التفسير إنما تكون من الغساق في قوله تعالى

{ إلا حميماً وغساقاً } [ النبأ :25 ] ، والوقوب : الدخول في الشيء ، بحيث يغيب عن العين ، هذا من حيث اللغة . ثم أن الغاسق إذا فسر بالليل فوقوبه دخوله ، وهو ظاهر . ووجه التعوذ من شره أن السباع فيه تخرج من آجامها ، والهوام من مكامنها ، وأهل الشر والفتنة من أماكنها ، ويقل فيه الغوث ، ولهذا قالت الفقهاء : لو شهر أحد سلاحاً على إنسان ليلاً فقتله المشهور عليه لم يلزمه قصاص ، ولو كان نهاراً لزمه لوجود الغوث . وقد يقال : إنه تنشر في الليل الأرواح المؤذية المسماة بالجن والشياطين ، وذلك لأن قوة الشمس وشعاعها كأنها تقهرهم ، أما في الليل فيحصل لهم نوع استيلاء . وعن ابن عباس : هو ظلمة الشهوة البهيمية إذا غلبت داعية العقل . قال ابن قتيبة : الغاسق القمر ؛ لأنه يذهب ضوءه عند الخسوف ، ووقوبه دخوله في ذلك الاسوداد . وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها وقال لها : استعيذي بالله من شر هذا ، فإنه الغاسق إذا وقب ، وعلى هذا التفسير يمكن تصحيح قول الحكيم : إن القمر جرم كثيف مظلم في ذاته ، لكنه يقبل الضوء عن الشمس ، ويختلف حاله في ذلك بحسب قربه منها وبعده عنها . ووقوبه إما دخوله في دائرة الظلام في الخسوفات ، وأما دخوله تحت شعاع الشمس في آخر كل شهر ، وحينئذ يكون منحوساً قليل القوة ، ولذلك تختار السحرة ذلك الوقت للتمريض والإضرار والتفريق ونحوها . وقيل : الغاسق : الثريا إذا سقط في المغرب . قال ابن زيد : وكانت الأسقام تكثر حينئذ . وقال في الكشاف : يجوز أن يراد به الأسود من الحيات ، ووقبه خربه ونقبه . وقيل : هو الشمس إذا غابت ، وسميت غاسقاً لسيلانها ودوام حركتها .

/خ5