اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} (3)

قوله : { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، «إذا » منصوب ب «أعوذ » ، أي : أعوذ بالله من هذا في وقت كذا ، كذا .

والغسقُ : هو أول ظلمةِ الليل ، يقال منه : غسق الليل يغسق ، أي : يظلم .

قال ابن قيس الرقيَّات : [ المديد ]

5366- إنَّ هَذا اللَّيْلَ قدْ غَسقَا *** واشْتكَيْتُ الهَمَّ والأرَقَا{[61146]}

وهذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم ، ووقب على هذا : أظلم{[61147]} .

وقيل : نزل ، قال : وقب العذاب على الكافرين : نزل .

قال : [ الكامل ]

5367- وقَبَ العَذابُ عَليْهِمُ فكَأنَّهُمْ *** لحِقَتْهُمْ نَارُ السَّمُومِ فأحْصِدُوا{[61148]}

وقال الزجاج : قيل لليل : غاسق ؛ لأنه أبرد من النَّهار ، والغاسق : البارد ، والغسق : البرد ؛ ولأنَّ في الليل تخرج السِّباع من آجامها ، والهوام من أماكنها ، وينبعث أهل الشرِّ على العبث ، والفسادِ ، فاستعير من الليل .

قال الشاعر : [ البسيط ]

5368- يَا طَيْفَ هِنْدٍ لقَدْ أبْقَيْتَ لِي أرقاً *** إذْ جِئْتنَا طَارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقا{[61149]}

أي : أظلم واعتكر ، وقيل : الغاسق : الثُّريَّا ؛ لأنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك . قاله عبد الرحمن بن زيد .

وقال القتبي : القمر إذا وقب إذا دخل في ساهورة كالغلاف إذا خسف ، وكل شيء أسود فهو غسق .

وقال قتادة : «إذَا وقَبَ » إذا غاب{[61150]} .

قال القرطبي{[61151]} : وهو أصح ، لما روى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر ، فقال : «يا عَائِشةُ ، استَعِيذِي باللهِ من شرِّ هذا ، فإنَّ هذا هُوَ الغاسقُ إذا وقبَ »{[61152]} ، قال : هذا حديث حسن صحيح .

[ وقيل : الغاسق : الحيَّة إذا لدغت ، وكأن الغاسق نابها ؛ لأن السم يغسق منه ، أي : يسيل ، يقال : غسقت العين تغسق غسقاً ، إذا سالت بالماء ، وسمي الليل غاسقاً ، لانصباب ظلامه على الأرض ، ووقب نابها إذا قامت باللدغ ]{[61153]} .

وقيل : الغاسقُ : كل هاجم يضر ، كائناً ما كان ، من قولهم : غسقت القرحة ، إذا جرى صديدها .

قال ابن الخطيب{[61154]} : وعندي فيه وجه آخر ، لو أنه صح ، أن [ القمر في جرمه غير مستنير ؛ بل هو مظلم ، فهذا هو المراد من كونه غاسقاً ، وأما وقوبه فهو انمحاء نوره في آخر ] الشهر ، والمنجمون يقولون : إنه في آخر الشهر منحوس ، قليل القوة ؛ لأنه لا يزال نوره بسبب ذلك تزداد نحوسته ، فإن السحرة إنما يشتغلون في السحر الموروث ، للتمريض في هذا الوقت ، وهذا مناسب لسبب نزول السورة ، فإنها نزلت ؛ لأجل أنهم سحروا النبي صلى الله عيه وسلم لأجل التمريض .


[61146]:ينظر ذيل ديوان ابن الرقيات ص 187، ومجاز القرآن 1/398، واللسان (غسق)، والقرطبي 20/175).
[61147]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/748 -749)، عن ابن عباس والحسن. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/718)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
[61148]:ينظر القرطبي 2/175، والبحر 8/532، والدر المصون 6/591، وفتح القدير 5/520.
[61149]:ينظر القرطبي 20/175، والبحر 8/533، والدر 6/592.
[61150]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/175).
[61151]:ينظر: المصدر السابق.
[61152]:أخرجه الترمذي (5/421 -422)، كتاب: التفسير، باب: المعوذتين حديث (3366)، من حديث عائشة. وقال الترمذي: حسن صحيح.
[61153]:سقط من: ب.
[61154]:الفخر الرازي 32/178.