{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ } أي : العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه ، { وَخَافَ وَعِيدِ } أي : ما توعدت به من عصاني فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله .
( ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) .
لا محاباة ولا جزافا ، إنما هي السنة الجارية العادلة :
( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) .
ذلك الإسكان والاستخلاف لمن خاف مقامي ، فلم يتطاول ولم يتعال ولم يستكبر ولم يتجبر . وخاف وعيد ، فحسب حسابه ، واتقى أسبابه ، فلم يفسد في الأرض ، ولم يظلم في الناس . فهو من ثم يستحق الاستخلاف ، ويناله باستحقاق .
وقوله : وَلَنُسْكِنَنّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ هذا وعد من الله مَن وَعَد من أنبيائه النصر على الكفرة به من قومه ، يقول : لما تمادت أمم الرسل في الكفر ، وتوعّدوا رسلهم بالوقوع بهم ، أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم من أممهم ووعدهم النصر . وكلّ ذلك كان من الله وعيدا وتهديدا لمشركي قوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على كفرهم به وجراءتهم على نبيه ، وتثبيتا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمرا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه ، كما صبر من كان قبله من أولي العز من رسله ، ومعرّفَهُ أن عاقبة أمر من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم ، سُنّةَ اللّهِ في الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيدُ ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَنُسْكنَنّكُمْ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ قال : وعدهم النصر في الدنيا ، والجنة في الاَخرة .
وقوله : ذلكَ لِمَنْ خافَ مَقامي وَخافَ وَعِيدِ يقول جلّ ثناؤه : هكذا فِعْلى لمن خاف مقامه بين يديّ ، وخاف وعيدي فاتقاني بطاعته وتجنب سخطي ، أنصره على من أراد به سوءا وبغاه مكروها من أعدائي ، أُهلك عدوّه وأخزيه وأورثه أرضه ودياره . وقال : لِمَنْ خافَ مَقامي ومعناه ما قلت من أنه لمن خاف مقامه بين يديّ بحيث أقيمه هنالك للحساب ، كمَا قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ معناه : وتجعلون رزقي إياكم أنكم تكذبون ، وذلك أن العرب تضيف أفعالها إلى أنفسها ، وإلى ما أوقعت عليه ، فتقول : قد سررت برؤيتك وبرؤيتي إياك ، فكذلك ذلك . )
وقوله : { لنسكننكم } الخطاب للحاضرين ، والمراد هم وذريتهم ، ويترتب هذا المعنى في قوله : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } [ إبراهيم : 10 ] أي يؤخركم وأعقابكم .
وقرأ أبو حيوة : «ليهلكن » و «ليسكننكم » بالياء فيهما{[7029]} .
وقوله : { مقامي } يحتمل أن يريد به المصدر من القيام على الشيء بالقدرة ، ويحتمل أن يريد به الظرف لقيام العبد بين يديه في الآخرة ، فإضافته - إذا كان مصدراً - إضافة المصدر إلى الفاعل ، وإضافته - إذا كان ظرفاً - إضافة الظرف إلى حاضره ، أي مقام حسابي ، فجائز قوله : { مقامي } وجائز لو قال : مقامه ، وجائز لو قال : مقام العرض والجزاء ، وهذا كما تقول : دار الحاكم ودار الحكم ودار المحكوم عليهم .
وقال أبو عبيدة : { مقامي } مجازه ، حيث أقيمه بين يدي للحساب{[7030]} ، و «الاستفتاح » طلب الحكم ، والفتاح : الحاكم ، والمعنى : أن الرسل استفتحوا ، أي سألوا الله تعالى إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة ، ويل : بل استفتح الكفار ، على نحو قول قريش { عجل لنا قطنا }{[7031]} [ ص : 16 ] وعلى نحو قول أبي جهل في بدر اللهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة{[7032]} . هذا قول أبي زيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.