المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

84- وإذا مات أحد منهم ، فلا تصل عليه ، ولا تقف على قبرة عند دفنه ، لأنهم عاشوا حياتهم كافرين باللَّه ورسوله ، وماتوا وهم خارجون عن دين اللَّه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

{ 84 } { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }

يقول تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا } من المنافقين { وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } بعد الدفن لتدعو له ، فإن صلاته ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم ، وهم لا تنفع فيهم الشفاعة .

{ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } ومن كان كافرا ومات على ذلك ، فما تنفعه شفاعة الشافعين ، وفي ذلك عبرة لغيرهم ، وزجر ونكال لهم ، وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق ، فإنه لا يصلى عليه .

وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين ، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يفعل ذلك في المؤمنين ، فإن تقييد النهي بالمنافقين يدل على أنه قد كان متقررا في المؤمنين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

وكما أمر اللّه رسوله - [ ص ] - بألا يسمح للمتخلفين في ساعة العسرة أن يعودوا فينتظموا في الصفوف ، كذلك أمره ألا يخلع عليهم أي ظلال من ظلال التكريم :

( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره . إنهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) .

ولقد ذكر المفسرون حوادث خاصة عنتها هذه الآية . ولكن دلالة الآية أعم من الحوادث الخاصة . فهي تقرر أصلاً من أصول التقدير في نظام الجماعة المكافحة في سبيل العقيدة ، هو عدم التسامح في منح مظاهر التكريم لمن يؤثرون الراحة المسترخية على الكفاح الشاق ؛ وعدم المجاملة في تقدير منازل الأفراد في الصف . ومقياس هذا التقدير هو الصبر والثبات والقوة والإصرار والعزيمة التي لا تسترخي ولا تلين .

والنص يعلل هذا النهي في موضعه هنا ( إنهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون )وهو تعليل خاص بعدم الصلاة أو قيام الرسول - [ ص ] - على قبر منافق . . ولكن القاعدة - كما ذكرنا - أوسع من المناسبة الخاصة . فالصلاة والقيام تكريم . والجماعة المسلمة يجب ألا تبذل هذا التكريم لمن يتخلف عن الصف في ساعة الجهاد ، لتبقى له قيمته ، ولتظل قيم الرجال منوطة بما يبذلون في سبيل اللّه ، وبما يصبرون على البذل ، ويثبتون على الجهد ، ويخلصون أنفسهم وأموالهم للّه لا يتخلفون بهما في ساعة الشدة ، ثم يعودون في الصف مكرمين !

لا التكريم الظاهر ينالونه في أعين الجماعة ، ولا التكريم الباطن ينالونه في عالم الضمير :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مّنْهُم مّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } .

يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولا تصلّ يا محمد على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدا . وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ يقول : ولا تتولّ دفنه وتقبره من قول القائل : قام فلان بأمر فلان : إذا كفاه أمره . إنّهُمْ كَفَرُوا باللّهِ يقول إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله ، وماتوا وهم خارجون من الإسلام مفارقون أمر الله ونهيه . وقد ذكر أن هذه الآية نزلت حين صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبيّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع ، وسوّار بن عبد الله ، قالوا : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، قال : جاء ابن عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات أبوه ، فقال : أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ، وصلّ عليه واستغفر له فأعطاه قميصه ، وقال : «إذَا فَرَغْتُمْ فَآذِنُونِي » فلما أراد أن يصلي عليه ، جذبه عمر وقال : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال : «بَلْ خَيّرَنِي وقالَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفرْ لَهُمْ » قال : فصلي عليه . قال : فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ منْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ قال : فترك الصلاة عليهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن ابن عمر ، قال : لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، جاء ابنه عبد الله إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه . فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأخذ بثوب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال ابنَ سلول أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّمَا خَيّرَنِي رَبّي ، فقالَ : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ وسأزِيدُ على سَبْعِينَ » . فقال : إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .

حدثنا سوار بن عبد الله العنبريّ ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مجالد ، قال : ثني عامر ، عن جابر بن عبد الله ، أن رأس المنافقين مات بالمدينة ، فأوصى أن يصلّى عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأن يكفن في قميصه . فكفنه في قميصه ، وصلى عليه ، وقام على قبره ، فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ منْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .

حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سلمة ، عن يزيد الرّقاشيّ ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي علي عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ منْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر ، قال : جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبيّ وقد أدخل حفرته ، فأخرجه ، فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه وتفل عليه من ريقه ، والله أعلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهريّ ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة ، تحوّلت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي على عدوّ الله عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا كذا وكذا ، أعدّد أيامه ، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يتبسمّ . حتى إذا أكثرت عليه ، قال : «اخّرْ عَنّيِ يا عُمَرُ إنّي خُيّرْتُ فاخْتَرْتُ ، وَقَدْ قِيلَ لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لهم فلو أني أعلم أنين إن زدت على السبعين غفر له لزدت » قال ثم صلى عليه ومشى معه فقام على حتى نزلت هانان الاَيتان أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، ولا قام على قبره حتى قبضه الله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : لما مات عبد الله بن أبيّ ، أتي ابنه عبد الله بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله قميصه ، فأعطاه ، فكفّن فيه أباه .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، قال : لما مات عبد الله بن أبيّ ، فذكر مثل حديث ابن حميد ، عن سلمة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا ، وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ . . . الآية ، قال : بعث عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ليأتيه ، فنهاه عن ذلك عمر ، فأتاه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «أهْلَكَكَ حُبّ اليَهُودِ » . قال : فقال : يا نبيّ الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله قميصه أن يكفن فيه ، فأعطاه إياه ، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ، فكفن في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونفث في جلده ودلاّه في قبره . فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا . . . الآية . قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كلم في ذلك ، فقال : «وَما يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي مِنَ اللّهِ أوْ رَبّي وَصَلاتي عَلَيْهِ ؟ وإنّي لاَءَرْجُو أنْ يُسْلِمَ بِهِ ألْفٌ مِنْ قَوْمِهِ » .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : أرسل عبد الله بن أبيّ ابن سلول وهو مريض إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه ، قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أهْلَكَكَ حُبّ يَهُودَ » . قال : يا رسول الله ، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني . ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه ، فأعطاه إياه وصلى عليه ، وقام على قبره ، فأنزل الله تعالى ذكره : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا ، وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

{ ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا } روي : ( أن عبد الله بن أبي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ، فلما دخل عليه سأله أن يستغفر له ويكفنه في شعاره الذي يلي جسده ويصلي عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه وذهب ليصلي عليه ) فنزلت . وقيل صلى عليه ثم نزلت ، وإنما لم ينه عن التكفين في قميصه ونهى عن الصلاة عليه لأن الضن بالقميص كان مخلا بالكرم ولأنه كان مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر ، والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ولذلك رتب النهي على قوله : { مات أبدا } يعني الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحيى . { ولا تقم على قبره } ولا تقف عند قبره للدفن أو الزيارة . { إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } تعليل للنهي أو لتأبيد الموت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أنس بن مالك أن رسول الله عليه وسلم لما تقدم ليصلي عليه جاءه جبريل عليه السلام ، فجذبه بثوبه وتلا عليه ، { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } الآية ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يصل عليه{[5819]} ، وتظاهرت الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الآية نزلت بعد ذلك ، وفي كتاب الجنائز من البخاري من حديث جابر ، قال : «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج ووضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه{[5820]} ، وروي في ذلك أن عبد الله بن أبي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ورغب إليه أن يستغفر له وأن يصلي عليه » .

وروي أن ابنه عبد الله بن عبد الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه فرغب في ذلك وفي أن يكسوه قميصه الذي يلي بدنه ، ففعل ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قام إليه عمر رضي الله عنه ، فقال يا رسول الله ، أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الاستغفار لهم ؟ وجعل يعدد أفعال عبد الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أ خر عني يا عمر ، فإني خيرت ، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت »{[5821]} وفي حديث آخر «إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئاً وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي » ، كذا في بعض الروايات ، يريد من منافقي العرب ، والصحيح أنه قال رجال من قومه ، فسكت عمر وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله ، ثم نزلت هذه الآية بعد ذلك ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع إظهاره الإيمان ، ومحال أن يصلي عليه وهو يتحقق كفره وبعد هذا والله أعلم ، عين له من لا يصلي عليه .

ووقع في معاني أبي إسحاق وفي بعض كتب التفسير ، فأسلم وتاب بهذه الفعلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة من عبد الله ألف رجل من الخزرج .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، قاله من لم يعرف عدة الأنصار .


[5819]:- أخرجه أبو يعلى، وابن جرير، وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه. (الدر المنثور).
[5820]:- الحديث في البخاري في كتاب الجنائز باب "هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة"- وتتمة الحديث كما جاء في البخاري: (فالله أعلم، وكان كسا عباسا قميصا، قال سفيان: وقال أبو هريرة: وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصا، فقال له ابن عبد الله: يا رسول الله، ألبس أبي قميصك الذي بلي جلدك، قال سفيان: فيروون أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع). وسفيان هو راوي الحديث عن عمرو عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم.
[5821]:- أخرجه البخاري، ومسلم، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر رضي الله عنهما. (الدر المنثور- وفتح القدير).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

لمّا انقضى الكلام على الاستغفار للمنافقين الناشىء ، عن الاعتذار والحلف الكاذبيْن وكان الإعلام بأن الله لا يغفر لهم مشوباً بصورة التخيير في الاستغفار لهم ، وكان ذلك يبقي شيئاً من طمعهم في الانتفاع بالاستغفار لأنهم يحسبون المعاملة الربانية تجري على ظواهر الأعمال والألفاظِ كما قدمناه في قوله : { فرح المخلفون } [ التوبة : 81 ] ، تهيَّأ الحال للتصريح بالنهي عن الاستغفار لهم والصلاةِ على موتاهم ، فإنّ الصلاة على الميت استغفار .

فجملة { ولا تصل } عطف على جملة { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } [ التوبة : 80 ] عطفَ كلام مراد إلحاقه بكلام آخر لأنّ القرآن ينزل مراعىً فيه مواقع وضع الآي .

وضمير { منهم } عائد إلى المنافقين الذين عُرفوا بسيماهم وأعمالهم الماضية الذكر .

وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري والترمذي من حديث عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب قال : « لما مات عبد الله بنُ أبَيّ بن سَلُول دُعِي له رسول الله ليصلي عليه ، فلمّا قام رسول الله وثَبْتُ إليه فقلت : يا رسول الله أتصلّي على ابن أُبيّ وقد قال يومَ كذَا وكذا ، كذا وكذا أعَدّدُ عليه قولَه ، فتبسّم رسول الله وقال : " أخِّرْ عنّي يا عمرُ " فلمّا أكثرت عليه قال : " إنّي خُيِّرتُ فاخترتُ ، لو أعلم أنّي لو زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها " قال : فصلى عليه رسول الله ثم انصرف فلم يمكث إلاّ يسيراً حتّى نزلتْ الآيتان من براءة { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } إلى قوله : { وهم فاسقون } قال : فعجبت بعدُ من جُرْأتِي على رسول الله واللَّهُ ورسوله أعلم اهـ » . وفي رواية أخرى فلم يصل رسول الله على أحد منهم بعد هذه الآية حتى قُبض صلى الله عليه وسلم وإنّما صلّى عليه وأعطاه قميصه ليكفّن فيه إكراماً لابنه عبدِ الله وتأليفاً للخزرج .

وقوله : { منهم } صفة { أحدٍ } . وجملة { مات } صفة ثانية ل { أحد } .

ومعنى { ولا تقم على قبره } لا تقفْ عليه عند دفنه لأنّ المشاركة في دفن المسلم حقّ على المسلم على الكفاية كالصلاة عليه فتركُ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليهم وحضور دفنهم إعلان بكفر من ترك ذلك له .

وجملة : { إنهم كفروا بالله ورسوله } تعليلية ولذلك لم تعطف وقد أغنى وجود ( إنَّ ) في أولها عن فاء التفريع كما هو الاستعمال .

والفسق مراد به الكفر فالتعبير ب { فاسقون } عوض ( كافرون ) مجرّد تفنّن . والأحسن أن يفسّر الفسق هنا بالخروج عن الإيمان بعد التلبّس به ، أي بصورة الإيمان فيكون المراد من الفسق معنى أشنعَ من الكفر .

وضمائر { إنهم كفروا وماتوا وهم فاسقون } عائد إلى { أحدٍ } لأنّه عام لكونه نكرة في سياق النهي والنهي كالنفي . وأمّا وصفه بالإفراد في قوله { مات } فجرى على لفظ الموصوف لأنّ أصل الصفة مطابقة الموصوف .