المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

12- وما يستوي البحران في علمنا وتقديرنا وإن اشتركا في بعض منافعهما ، هذا ماؤه عذب يقطع العطش لشدة عذوبته وحلاوته وسهولة تناوله ، وهذا ملح شديد الملوحة . ومن كل منهما تأكلون لحماً طريا مما تصيدون من الأسماك وتستخرجون ما تتخذونه زينة كاللؤلؤ والمرجان . وترى - أيها المشاهد - السفن تجرى فيه شاقة الماء بسرعتها ، لتطلبوا شيئاً من فضل الله بالتجارة ، ولعلكم تشكرون لربكم هذه النعم{[184]} .


[184]:ومن آيات الله التي دعا الناس إلى تعقلها ومن عليهم بها: جريان الفلك ومخورها في البحر حسب سنته التي سنها في الطبيعة وهو ما بينه قانون الأجسام الطافية، وبديهي أن بعض الحلي تستخرج من البحر الملح وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرا للحلي أيضا ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك. أما اللؤلؤ فإنه كما يستخرج من أنواع معينة من البحر يستخرج أيضا من أنواع معينة أخرى صدفيات الأنهار. فتوجد اللآلئ في المياه العذبة في إنجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان...الخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة. ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس الذي يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية في "موجوك" بالقرب من "باندالاس" في بورما العليا، أما في "سيام" وفي سيلان فيوجد الياقوت غالبا في الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التي تستعمل في الزينة حجر التوباز. ويوجد في الرواسب النهرية في مواقع كثيرة ومنتشرة في البرازيل وفي روسيا (الأورال وسيبريا) وهو فلورسيليكات الألمنيوم ويغلب أن يكون أصفر أو بنيا. الزيركون circom حجر كريم جذاب تتقارب خواصه من خواص الماس ومعظم أنواعه الكريمة تستخرج من الرواسب النهرية.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

{ 12 - 14 } { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته ، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم ، وأنه لم يسوِّ بينهما ، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتا ، سائغا شرابها ، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون ، وأن يكون البحر ملحا أجاجا ، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ولأنه ساكن لا يجري ، فملوحته تمنعه من التغير ، ولتكون حيواناته أحسن وألذ ، ولهذا قال : { وَمِنْ كُلٍ } من البحر الملح والعذب { تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك المتيسر صيده في البحر ، { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } من لؤلؤ ومرجان وغيرهما ، مما يوجد في البحر ، فهذه مصالح عظيمة للعباد .

ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر ، أن سخره اللّه تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب ، فتراها تمخر البحر وتشقه ، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر ، ومن محل إلى محل ، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم ، فيحصل بذلك من فضل اللّه وإحسانه شيء كثير ، ولهذا قال : { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

9

ويمضي السياق إلى لفتة أخرى في هذه الجولة الكونية المتعددة اللفتات . يمضي إلى مشهد الماء في هذه الأرض من زاوية معينة . زاوية تنويع الماء . فهذا عذب سائغ ، وهذا ملح مر . وكلاهما يفترقان ويلتقيان - بتسخيرالله - في خدمة الإنسان .

( وما يستوي البحران . . هذا عذب فرات سائغ شرابه ، وهذا ملح أجاج . . ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها . وترى الفلك فيه مواخر . لتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون ) . .

إن إرادة التنويع في خلق الماء واضحة ؛ ووراءها حكمة - فيما نعلم - ظاهرة ؛ فأما الجانب العذب السائغ اليسير التناول فنحن نعرف جانباً من حكمة الله فيما نستخدمه وننتفع به ؛ وهو قوام الحياة لكل حي . وأما الجانب الملح المر وهو البحار والمحيطات فيقول أحد العلماء في بيان التقدير العجيب في تصميم هذا الكون الضخم :

؛ وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور - ومعظمها سام - فإن الهواء باق دون تلويث في الواقع ، ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان . وعجلة الموازنة العظيمة هي تلك الكتلة الفسيحة من الماء - أي المحيط - الذي استمدت منه الحياة والغذاء والمطر والمناخ المعتدل ، والنباتات . وأخيراً الإنسان نفسه . . " .

وهذا بعض ما تكشف لنا من حكمة الخلق والتنويع ، واضح فيه القصد والتدبير ، ومنظور فيه إلى تناسقات وموازنات يقوم بعضها على بعض في حياة هذا الكون ونظامه . ولا يصنع هذا إلا الله خالق هذا الكون وما فيه ومن فيه . فإن هذا التنسيق الدقيق لا يجيء مصادفة واتفاقاً بحال من الأحوال . والإشارة إلى اختلاف البحرين توحي بمعنى القصد في هذه التفرقة وفي كل تفرقة أخرى . وستأتي في السورة إشارات إلى نماذج منها في عالم المشاعر والاتجاهات والقيم والموازين .

ثم يلتقي البحران المختلفان في تسخيرهما للإنسان :

( ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر ) . .

واللحم الطري هو الأسماك والحيوانات البحرية على اختلافها . والحلية من اللؤلؤ والمرجان . واللؤلؤ يوجد في أنواع من القواقع يتكون في أجسامها نتيجة دخول جسم غريب كحبة رمل أو نقطة ماء ، فيفرز جسم القوقعة داخل الصدفة إفرازاً خاصاً يحيط به هذا الجسم الغريب ، كي لا يؤذي جسم القوقعة الرخو . وبعد زمن معين يتصلب هذا الإفراز ، ويتحول إلى لؤلؤة ! والمرجان نبات حيواني يعيش ويكون شعاباً مرجانية تمتد في البحر أحياناً عدة أميال ، وتتكاثر حتى تصبح خطراً على الملاحة في بعض الأحيان ؛ وخطراً على كل حي يقع في براثنها ! وهو يقطع بطرق خاصة وتتخذ منه الحلى !

والفلك تمخر البحار والأنهار - أي تشقها - بما أودع الله الأشياء في هذا الكون من خصائص . ولكثافة الماء وكثافة الأجسام التي تتكون منها السفن دخل في إمكان طفو السفن على سطح الماء وسيرها فيه . وللرياح كذلك . وللقوى التي سخرها الله للإنسان وعرفه كيف يستخدمها كقوة البخار وقوة الكهرباء وغيرهما من القوى . وكلها من تسخير الله للإنسان .

( لتبتغوا من فضله ) . . بالسفر والتجارة ، والانتفاع باللحم الطري والحلى واستخدام الماء والسفن في البحار والأنهار .

( ولعلكم تشكرون ) . . وقد يسر الله لكم أسباب الشكر ، وجعلها حاضرة بين أيديكم . ليعينكم على الأداء .