المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

15- فلما مضوا به بعيداً عن أبيه ، وأجمعوا رأيهم في إلقائه في غور البئر ، أنفذوا ما عزموا عليه ، وألهمناه الاطمئنان والثقة بالله وأنه سيخبرهم بأمرهم هذا الذي دَبَّروه وقدموا عليه ، وهم لا يشعرون حين تخبرهم أنك أخوهم يوسف الذي ائتمروا به ، وظنوا أنهم قضوا عليه واستراحوا منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

{ 15 - 18 } { فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }

أي : لما ذهب إخوة يوسف بيوسف بعد ما أذن له أبوه ، وعزموا على أن يجعلوه في غيابة الجب ، كما قال قائلهم السابق ذكره ، وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه ، فنفذوا فيه قدرتهم ، وألقوه في الجب ، ثم إن الله لطف به بأن أوحى إليه وهو في تلك الحال الحرجة ، { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } أي : سيكون منك معاتبة لهم ، وإخبار عن أمرهم هذا ، وهم لا يشعرون بذلك الأمر ، ففيه بشارة له ، بأنه سينجو مما وقع فيه ، وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته على وجه العز والتمكين له في الأرض .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوَاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هََذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

وفي الكلام متروك حذف ذكره اكتفاء بما ظهر عما ترك ، وهو : فأرسله معهم ، { فلما ذهبوا به } ، { وأجمَعُوا } ، يقول : وأجمع رأيهم وعزموا على { أنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ } . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ ، قوله : { إنّي لَيَحْزُنُني أنْ تَذْهَبُوا بِهِ . . . } ، الآية ، قال : قال : لن أرسله معكم ، { إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون . قالُوا لَئِنْ أكَلَهُ الذّئْبُ وَنحْنُ عُصْبَةٌ إنّا أذا لخَاسِرُونَ } ، فأرسله معهم ، فأخرجوه ، وبه عليهم كرامة . فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه ، فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيما ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا يقتلونه ، قال يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه ، فجعلوا يدلونه في البئر ، فيتعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه ردُوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك ، قال : إني لم أر شيئا . فدلوه في البئر . حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء ، فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها ، فقام عليها . قال : فلما ألقوه في البئر جعل يبكي ، فنادوه ، فظنّ أنها رحمة أدركتهم ، فلبّاهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فقام يهوذا فمنعهم ، وقال : قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه . وكان يهوذا يأتيه بالطعام .

وقوله : { فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا } ، فأدخلت الواو في الجواب ، كما قال امرؤ القيس :

فَلَمّا أجَزْنا ساحَةَ الحَيّ وَانْتَحَى *** بِنَا بطْن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ

فأدخل الواو في جواب «لما » ، وإنما الكلام : فلما أجزنا ساحة الحيّ انتحى بنا ، وكذلك : { فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا } ؛ لأن قوله : { أجمعوا } : هو الجواب .

وقوله : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ } ، يقول : وأوحينا إلى يوسف لتخبرنّ إخوتك بأمرهم هذا ، يقول : بفعلهم هذا الذي فعلوه بك . { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، يقول : وهم لا يعلمون ، ولا يدرون .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عزّ وجلّ بقوله : { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، فقال بعضهم : عُني بذلك : أن الله أوحى إلى يوسف أن يوسف سينبىء إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه في الجبّ ، وبيعهم إياه ، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم ، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ } : إلى يوسف .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هذَا } ، قال : أوحينا إلى يوسف : { لتنبئنّ } إخوتك .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، قال : أوحى إلى يوسف وهو في الجبّ أن سينبئهم بما صنعوا ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ } ، قال : إلى يوسف .

وقال آخرون : معنى ذلك : وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به ، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، بما أطلع الله عليه ويوسف من أمرهم وهو في البئر .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، قال : أوحى الله إلى يوسف ، وهو في الجبّ ، أن ينبئهم بما صنعوا به ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة بنحوه ، إلا أنه قال : أن سينبئهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به وهم لا يشعرون أنه يوسف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ، يقول : وهم لا يشعرون أنه يوسف .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي ، عن أبيه ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما دخل إخوة يوسف ، فعرفهم وهم له منكرون ، قال : جيء بالصواع ، فوضعه على يده ، ثم نقره ، فطنّ ، فقال : إنه ليخبرني في هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه هونكم ، وإنكم انطلقتم به ، فألقيتموه في غيابة الجبّ ، قال : ثم نقره ، فطنّ ، فأتيتم أباكم ، فقلتم : إن الذئب أكله ، وجئتم على قميصه بدم كذب . قال : فقال بعضهم لبعض : إن هذا الجام ليخبره بخبركم . قال ابن عباس : فلا نرى هذه آية نزلت إلا فيهم : { لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

تفريع حكاية الذّهاب به والعزم على إلقائه في الجبّ على حكاية المحاورة بين يعقوب عليه السّلام وبنيه في محاولة الخروج بيوسف عليه السّلام إلى البادية يؤذن بجمل محذوفة فيها ذكر أنهم ألحوا على يعقوب عليه السّلام حتّى أقنعوه فأذن ليوسف عليه السّلام بالخروج معهم ، وهو إيجاز .

والمعنى : فلمّا أجابهم يعقوب عليه السّلام إلى ما طلبوا ذهبوا به وبلغوا المكان الذي فيه الجب .

وفعل ( أجمع ) يتعدّى إلى المفعول بنفسه . ومعناه : صمّم على الفعل ، فقوله : { أن يجعلوه } هو مفعول { وأجمعوا } .

وجواب ( لمّا ) محذوف دلّ عليه { أن يجعلوه في غيابت الجب } ، والتقدير : جعلوه في الجب . ومثله كثير في القرآن . وهو من الإيجاز الخاص بالقرآن فهو تقليل في اللّفظ لظهور المعنى .

وجملة { وأوحينا إليه } معطوفة على جملة { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب } ، لأنّ هذا الموحى من مهمّ عبر القصة .

وقيل : الواو مزيدة وجملة { أوحينا } هو جواب ( لمّا ) ، وقد قيل بمثل ذلك في قوله امرىء القيس :

فلمّا أجزنا ساحة الحي وانتحى *** البيت .

وقيل به في قوله تعالى : { فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أنْ يا إبراهيم } [ سورة الصافات : 103 ، 104 ] الآية وفي جميع ذلك نظر .

والضمير في قوله : { إليه } عائد إلى يوسف عليه السّلام في قول أكثر المفسّرين مقتصرين عليه . وذكر ابن عطية أنّه قيل الضمير عائد إلى يعقوب عليه السّلام .

وجملة { لتنبئنهم بأمرهم هذا } بيان لِجلمة { أوحينا } . وأكّدت باللاّم ونون التوكيد لتحقيق مضمونها سواء كان المراد منها الإخبار عن المستقبل أو الأمر في الحال . فعلى الأوّل فهذا الوحي يحتمل أن يكون إلهاماً ألقاه الله في نفس يوسف عليه السّلام حين كيدهم له ، ويحتمل أنّه وحي بواسطة المَلك فيكون إرهاصاً ليوسف عليه السّلام قبل النّبوءة رحمة من الله ليزيل عنه كربه ، فأعلمه بما يدل على أن الله سيخلصه من هذه المصيبة وتكون له العاقبة على الذين كادوا له ، وإيذان بأنّه سيؤانسه في وحشة الجب بالوحي والبشارة ، وبأنه سينبىء في المستقبل إخوته بما فعلوه معه كما تؤذن به نون التوكيد إذا اقترنت بالجملة الخبرية ، وذلك يستلزم نجاته وتمكّنه من إخوته لأن الإنباء بذلك لا يكون إلا في حال تمكّن منهم وأمن من شرهم .

ومعنى { بأمرهم } : بفعلهم العظيم في الإساءة .

وجملة { وهم لا يشعرون } في موضع الحال ، أي لتخبرنهم بما فعلوا بك وهم لا يشعرون أنك أخوهم بل في حالة يحسبونه مطلعاً على المغيبات متكهناً بها ، وذلك إخبار بما وقع بعد سنين مما حكي في هذه السورة بقوله تعالى : { قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه } [ سورة يوسف : 89 ] الآيتين .

وعلى احتمال عود ضمير { إليه } على يعقوب عليه السّلام فالوحي هو إلقاء الله إليه ذلك بواسطة المَلَك ، والواو أظهر في العطف حينئذٍ فهو معطوف على جملة { فلما ذهبوا به } إلى آخرها { وأوحينا إليه } قبل ذلك . و { لتنبئنهم } أمر ، أي أوحينا إليه نَبّئْهم بأمرهم هذا ، أي أشعرهم بما كادوا ليوسف عليه السّلام ، إشعاراً بالتعريض ، وذلك في قوله : { وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون } [ سورة يوسف : 13 ] .

وجملة { وهم لا يشعرون } على هذا التقدير حال من ضمير جمع الغائبين ، أي وهم لا يشعرون أننا أوحينا إليه بذلك .

وهذا الجب الذي ألقي فيه يوسف عليه السّلام وقع في التوراة أنه في أرض ( دوثان ) ، ودوثان كانت مدينة حصينة وصارت خرابا . والمراد : أنه كانت حوله صحراء هي مرعى ومربع . ووصف الجب يقتضي أنه على طريق القوافل . واتّفق واصفو الجب على أنه بين ( بانياس ) و ( طبرية ) . وأنه على اثني عشر ميلاً من طبرية ممّا يلي دمشق ، وأنه قرب قرية يقال لها ( سنجل أو سنجيل ) . قال قدامة : هي طريق البريد بين بعلبك وطبرية .

ووصفها المتأخرون بالضبط المأخوذ من الأوصاف التاريخية القديمة أنه الطريق الكبرى بين الشام ومصر . وكانت تجتاز الأردن تحت بحيرة طبرية وتمر على ( دوثان ) وكانت تسلكها قوافل العرب التي تحمل الأطياب إلى المشرق ، وفي هذه الطريق جباب كثيرة في ( دوثان ) . وجب يوسف معروف بين طبرية وصفد ، بنيت عليه قبة في زمن الدولة الأيوبية بحسب التوسّم وهي قائمة إلى الآن .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فلما ذهبوا به}، بيوسف، {وأجمعوا} أمرهم {أن يجعلوه في غيابت الجب}... فألقوه في الجب... {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}، وذلك أن الله أوحى إلى يوسف، عليه السلام، بعدما انصرف إخوته: إنك ستخبر إخوتك بأمرهم هذا الذي ركبوا منك، ثم قال: {وهم لا يشعرون} أنك يوسف حين تخبرهم، فأنبأهم يوسف بعد ذلك...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وفي الكلام متروك حذف ذكره اكتفاء بما ظهر عما ترك، وهو: فأرسله معهم، {فلما ذهبوا به}، {وأجمَعُوا}، يقول: وأجمع رأيهم وعزموا على {أنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الجُبّ}...

وقوله: {وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ}، يقول: وأوحينا إلى يوسف لتخبرنّ إخوتك بأمرهم هذا، يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، يقول: وهم لا يعلمون، ولا يدرون.

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عزّ وجلّ بقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}؛ فقال بعضهم: عُني بذلك: أن الله أوحى إلى يوسف أن يوسف سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه في الجبّ، وبيعهم إياه، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك.

وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك... وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به وهم لا يشعرون أنه يوسف.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(وأوحينا إليه) وحي نبوة أو وحي بشارة النجاة من ذلك الجب أو بشارة الملك له والعز...

(لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) هو قول يوسف حين قال لهم: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ...) [الآية: 89] (قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي) [يوسف: الآية] هذا الذي نبأهم يوسف (وهم لا يشعرون) بذلك...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

حكى الله تعالى أنه لما أذن يعقوب ليوسف في المضي معهم، وذهبوا به "وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب "أي عزموا على فعل ذلك، ولا يقال: أجمع إلا إذا قويت الدواعي إلى الفعل من غير صارف، وأما من دعاه داع واحد فلا يقال فيه أنه أجمع، فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي، ويجوز أن يكون المراد أنهم اتفقوا على إلقائه في غيابة الجب...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} وإنما أُوحي إليه ليؤنس في الظلمة والوحشة، ويبشر بما يؤول إليه أمره. ومعناه: لتتخلصن مما أنت فيه، ولتحدّثن إخوتك بما فعلوا بك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنك يوسف لعلوّ شأنك وكبرياء سلطانك، وبعد حالك عن أوهامهم، ولطول العهد المبدّل للهيئات والأشكال...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فكأنه قيل: إن هذا لكيد عظيم وخطب جسيم، فما فعل أبوهم؟ فقيل: أجابهم إلى سؤلهم فأرسله معهم {فلما ذهبوا} ملصقين ذهابهم {به وأجمعوا} أي كلهم، و أجمع كل واحد منهم بأن عزم عزماً صادقاً؛ والإجماع على الفعل: العزم عليه باجتماع الدواعي كلها {أن يجعلوه} والجعل: إيجاد ما به يصير الشيء على خلاف ما كان عليه، ونظيره التصيير والعمل {في غيابت الجب} فعلوا ذلك من غير مانع، ولكن لما كان هذا الجواب في غاية الوضوح لدلالة الحال عليه ترك لأنهم إذا أجمعوا عليه علم أنهم لا مانع لهم منه؛ ثم عطف على هذا الجواب المحذوف لكونه في قوة الملفوظ قوله: {وأوحينا} أي بما لنا من العظمة {إليه} أي إلى يوسف عليه الصلاة والسلام. ولما كان في حال النجاة منها بعيدة جداً، أكد له قوله: {لتنبئنهم} أي لتخبرنهم إخباراً عظيماً على وجه يقل وجود مثله في الجلالة {بأمرهم هذا} أي الذي فعلوه بك {وهم لا يشعرون} -لعلو شأنك وكبر سلطانك وبعد حالك عن أوهامهم، ولطول العهد المبدل للهيئات المغير للصور والأشكال- أنك يوسف...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{فلما ذهبوا به} في الغد من ليلتهم التي استنزلوا فيها أباه عن إمساكه عنده {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} أي أزمعوه وعزموا عليه عزما إجماعيا لا تردد فيه بعد ما كان من اختلافهم قبل في قتله أو تغريبه، وجواب "لما "محذوف للعلم به مما قبله ومما بعده وتقديره نفذوه بأن ألقوه في غيابة ذلك الجب بالفعل {وأوحينا إليه} عند إلقائه فيه وحيا إلهاميا علم أن منا مضمونه: وربك {لتنبئنهم بأمرهم هذا} معك إذ يظهرك الله عليهم ويذلهم لك ويجعل رؤياك حقا {وهم لا يشعرون} يومئذ بما آتاك الله، أو الآن بما يؤتيك في عاقبة هذه الفعلة التي فعلوها بك، أو بهذا الوحي في الجب وهو المرتبة الأولى من مراتب التكليم الإلهي للأنبياء بعد التمهيد له بالرؤيا الصادقة. وقد هون الله تعالى على يوسف مصيبته به فعلم أنها مصيبة في الظاهر نعمة في الباطن.