المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

35- ثم ظهر رأي للعزيز وأهله ، من بعد ما رأوا الدلائل الواضحة على براءة يوسف فأجمعوا على هذا الرأي ، وأقسموا على تنفيذه ، وهو أن يدخلوه السجن إلى زمن يقصر أو يطول ، لكي يدفع مقالة السوء عن امرأته ويُبْعدها عن الغواية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

{ بَدَا لَهُمْ } أي : ظهر لهم { مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ } الدالة على براءته ، { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } أي : لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس ، فإن الشيء إذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود أسبابه ، فإذا عدمت أسبابه نسي ، فرأوا أن هذا مصلحة لهم ، فأدخلوه في السجن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّىَ حِينٍ } .

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ثم بدا للعزيز ، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه .

وقيل : { بدا لهم } ، وهو واحد ، لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه ، وذلك نظير قوله : { الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ } ، وقيل : إنّ قائل ذلك كان واحدا . وقيل : معنى قوله : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ } : في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا ، ورأوا أن يسجُنوه مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ ببراءته مما قدفته به امرأة العزيز . وتلك الآيات كانت : قَدّ القميص من دُبر ، وخمشا في الوجه ، وقطع أيديهن ، كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن نصر بن عوف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : كان من الاَيات : قدّ في القميص ، وخمش في الوجه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وابن نمير ، عن نصر ، عن عكرمة ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : قدّ القميص من دُبر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : قدّ القميص من دُبر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ } ، قال : الآيات : حزّهن أيديهن ، وقدّ القميص .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قدّ القميص من دبر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ } ، ببراءته مما اتهم به من شقّ قميصه من دُبر ، { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : { مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ } ، قال : الآيات : القميص ، وقطع الأيدي .

وقوله : { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، يقول : ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم . وجعل الله ذلك الحبس ليوسف فيما ذكر عقوبة له من همه بالمرأة ، وكفّارة لخطيئته .

حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة ، عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات : حين همّ بها ، فسجن ، وحين قال : { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبكّ فَلَبِثَ فِي السّجْن بضْعَ سنينَ } ، وأنساه الشيطان ذكر ربه ، وقال لهم : { إنّكُمْ لَسارِقُونَ } ، ف { قالُوا إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } .

وذُكر أن سبب حبسه في السجن : كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمره وأمرها . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، قال : قالت المرأة لزوجها : إن هذا العبد العبرانيّ قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ، ولست أطيق أن أعتذر بعذري ، فإما أن تأذن لي ، فأخرج ، فأعتذر ، وإما أن تحبِسه كما حبستني ، فذلك قول الله تعالى : { ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } .

وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في : { لَيَسْجُنُنّه } ؛ فقال بعض البصريين : دخلت هاهنا ، لأنه موضع يقع فيه «أيّ » ، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون ، لأن النون تكون في الاستفهام ، تقول : بدا لهم أيّهم يَأْخُذُنّ ، أي : استبان لهم . وأنكر ذلك بعض أهل العربية ، فقال : هذا يمين ، وليس قوله : هل تقومنّ بيمين ، ولَتقومنّ ، لا يكون إلا يمينا .

وقال بعض نحويي الكوفة : بدا لهم ، بمعنى : القول ، والقول يأتي بكل الكلام ، بالقسم وبالاستفهام ، فلذلك جاز : بدا لهم قام زيد ، وبدا لهم ليقومنّ .

وقيل : إن الحين في هذا الموضع معنيّ به : سبع سنين .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن داود ، عن عكرمة : { لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينٍ } ، قال : سبع سنين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

{ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات } ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل { بدا } مضمر يفسره . { ليسجننّه حتى حين } وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه زمانا حتى تبصر ما يكون منه ، أو يحسب الناس أنه المجرم فلبث في السجن سبع سنين . وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه ، وعتى بلغة هذيل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ} (35)

{ ثم } هنا للترتيب الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل فإن ما بدا لهم أعجب بعد ما تحققت براءته . وإنما بدا لهم أن يسجنوا يوسف عليه السّلام حين شاعت القالة عن امرأة العزيز في شأنه فكان ذلك عقب انصراف النسوة لأنها خشيت إنْ هُنّ انصرفن أن تشيع القالة في شأنها وشأن براءة يوسف عليه السّلام فرامت أن تغطي ذلك بسجن يوسف عليه السّلام حتى يظهر في صورة المجرمين بإرادته السوء بامرأة العزيز ، وهي ترمي بذلك إلى تطويعه لها . ولعلها أرادت أن تُوهم الناسَ بأن مراودته إيّاها وقعت يوم ذلك المجمع ، وأن تُوهم أنّهن شواهد على يوسف عليه السّلام .

والضمير في { لهم } لجماعة العزيز من مشير وآمر .

وجملة { ليسجننه } جواب قسم محذوف ، وهي معلّقة فعلَ { بدَا } عن العمل فيما بعده لأجل لام القسم لأن ما بعد لام القسم كلام مستأنف . وفيه دليل للمعمول المحذوف إذ التحقيق أن التعليق لا يختص بأفعال الظن ، وهو مذهب يونس بن حبيب ، لأن سبب التعليق وجود أداة لها صَدر الكلام . وفي هذه الآية دليله .

والتقدير : بدا لهم ما يدل عليه هذا القسَم ، أي بدا لهم تأكيد أن يسجنوه .

وذكر في « المغني » في آخر الجمل التي لها محل من الإعراب : وقوع الخلاف في الفاعل ونائب الفاعل ، هل يكون جملة ؟ فأجازه هشام وثعلب مطلقاً ، وأجازهُ الفراء وجماعة إذا كان الفعل قلبياً ووجد معلّق ، وحملوا الآية عليه ، ونسب إلى سيبويه . وهو يؤول إلى معنى التعليق ، والتعليق أنسب بالمعنى .

والحين : زمن غير محدود ، فإن كان { حتى حينٍ } من كلامهم كان المعنى : أنهم أمروا بسجنه سجناً غير مؤجل المدة . وإن كان من الحكاية كان القرآن قد أبهم المدة التي أذنوا بسجنه إليها إذ لا يتعلق فيها الغرض من القصة .

والآيات : دلائل صدق يوسف عليه السّلام وكذب امرأة العزيز .