20 - ويقول الذين آمنوا : هلا نزلت سورة تدعونا إلى القتال ؟ فإذا نزلت سورة لا تحتمل غير وجوبه ، وذكر فيها القتال مأموراً به رأيت الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت خوفاً منه وكراهية له ، فأحق بهم طاعة لله وقول يقره الشرع ، فإذا جد الأمر ولزمهم القتال ، فلو صدقوا الله في الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم من النفاق ، فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا صلاتكم بأقاربكم ؟
{ 20-23 } { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }
يقول تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } استعجالا ومبادرة للأوامر الشاقة : { لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ } أي : فيها الأمر بالقتال .
{ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ } أي : ملزم العمل بها ، { وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ } الذي هو أشق شيء على النفوس ، لم يثبت ضعفاء الإيمان على امتثال هذه الأوامر ، ولهذا قال : { رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } من كراهتهم لذلك ، وشدته عليهم .
وهذا كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىَ لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ اللّهَ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ } .
يقول تعالى ذكره : ويقول الذين صدّقوا الله ورسوله : هلا نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار فإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ يعني : أنها محكمة بالبيان والفرائض . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «فإذَا أُنْزِلَتْ سُورةٌ مُحْدَثَةٌ » .
وقوله : وَذُكِرَ فِيها القِتالُ يقول : وذُكر فيها الأمر بقتال المشركين . وكان قتادة يقول في ذلك ما :
حدثني بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزّلَتْ سُورَةٌ فإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيها القِتالُ قال : كلّ سورة ذُكر فيها الجهاد فهي محكمة ، وهي أشدّ القرآن على المنافقين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَذُكِرَ فِيها القِتالُ قال : كل سورة ذُكر فيها القتال فهي محكمة .
وقوله : رأيْتَ الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يقول : رأيت الذين في قلوبهم شك في دين الله وضعف يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ يا محمد ، نَظَرَ المَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ ، خوفا أن تغزيهم وتأمرهم بالجهاد مع المسلمين ، فهم خوفا من ذلك وتجبنا عن لقاء العدوّ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه الذي قد صرع . وإنما عنى بقوله : مِنَ المَوْتِ من خوف الموت ، وكان هذا فعل أهل النفاق . كالذي :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ قال : هؤلاء المنافقون طبع الله على قلوبهم ، فلا يفقهون ما يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقوله : فَأَوْلَى لَهُمْ يقول تعالى ذكره : فأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض .
وقوله : فأوْلَى لَهُمْ وعيد توعّد الله به هؤلاء المنافقين . كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَأَوْلَى لَهُمْ قال : هذه وعيد ، فأولى لهم ، ثم انقطع الكلام فقال : طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَأَوْلَى لَهُمْ قال : وعيد كما تسمعون .
{ ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة } أي هلا { نزلت سورة } في أمر الجهاد . { فإذا أنزلت سورة محكمة } مبينة لا تشابه فيها . { وذكر فيها القتال } أي الأمر به . { رأيت الذين في قلوبهم مرض } ضعف في الدين وقيل نفاق . { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } جبنا ومخافة . { فأولى لهم } فويل { لهم } ، أفعل من الولى وهو القرب ، أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم .
هذا ابتداء وصف حال المؤمنين في جدهم في دين الله وحرصهم على ظهوره وحال المنافقين من الكسل والفشل والحرص على فساد دين الله وأهله ، وذلك أن المؤمنين كان حرصهم يبعثهم على تمني الظهور وتمني قتال العدو وفضيحة المنافقين ونحو ذلك مما هو ظهور للإسلام ، فكانوا يأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ ، والله تعالى قد جعل ذلك بآماد مضروبة وأوقات لا تتعدى ، فمدح الله المؤمنين بحرصهم . وقولهم : { لولا نزلت سورة } معناه : تتضمن إظهارنا وأمرنا بمجاهدة العدو ونحوه . ثم أخبر تعالى عن حال المنافقين عند نزول أمر القتال .
وقوله : { محكمة } معناه : لا يقع فيها نسخ ، وبهذا الوجه خصص السورة بالأحكام ، وأما الإحكام الذي هو بمعنى الإتقان ، فالقرآن فيه كله سواء . وقال قتادة : كل سورة فيها القتال فهي محكمة ، وهو أشد القرآن على المنافقين .
قال القاضي أبو محمد : وهذا أمر استقرأه قتادة من القرآن ، وليس من تفسير هذه الآية في شيء .
وفي مصحف ابن مسعود : «سورة محدثة » . والمرض الذي في القلوب : استعارة لفساد المعتقد وحقيقة الصحة والمرض في الأجسام ، وتستعار للمعاني ، ونظر الخائف الموله قريب من نظر { المغشي عليه } ، وخسسهم هذا الوصف والتشبيه .
وقوله تعالى : { فأولى لهم } الآية ، «أولى » : وزنه أفعل ، من وليك الشيء يليك . وقالت فرقة وزنه : أفلع ، وفيه قلب ، لأنه مشتق من الويل ، والمشهور من استعمال «أولى » : أنك تقول : هذا أولى بك من هذا ، أي أحق ، وقد تستعمل «أولى » فقط على جهة الحذف والاختصار لما معها من القول ، فتقول على جهة الزجر والتوعد : أولى لك يا فلان ، وهذه الآية من هذا الباب ، ومنه قوله تعالى : { أولى لك فأولى }{[10369]} [ القيامة : 34-35 ] ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للحسن : أولى لك . وقالت فرقة من المفسرين : «أولى » رفع بالابتداء . و : { طاعة } خبره .
وقالت فرقة من المفسرين : { أولى لهم } ابتداء وخبر ، معناه : الزجر والتوعد .