قوله : { وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } أي هلاَّ . ولا التفات إلَى قول بعضهم{[51385]} إنَّ «لاَ » زائدة . والأصل لو نزلت . والعامة على رفع محكمة لقيامها مقام الفاعل . وزَيْدُ بنُ عَلِيٍّ بالنصب فيهما على الحَالِ{[51386]} . والقائم مقام الفاعل ضمير السورة المتقدمة وسَوَّغ وقوعَ الحال كذا وَصْفُها كقولك : الرَّجُلُ جَاءَنِي رَجُلاً صَالِحاً وقرىْ : فَإذَا نَزَلَتْ سُورَةٌ{[51387]} . وقرأ زيدٌ بْنُ عَلِيٍّ وابنُ عُمَيْر «وَذَكَرَ » مبنياً للفاعل أي الله تعالى «القِتَالَ » نصباً{[51388]} .
المعنى ويقول الذين آمنوا حرصاً منهم على الجهاد هلا أنزلت سورة تأمرنا بالجِهاد .
واعلم أن المؤمن كان ينتظر نزول الأحكام والتكاليف ويطلب تنزيلها وإذا تأخرت عنه التكليف كان يقول : هلا أمرت بشيء من العبادة خوفاً من أن لا يؤهل لها . وأما المنافق فإذا أنزلت{[51389]} السورة أو الآية وفيها تكليف فيشق عليه ذلك فحصل التَّبَايُن بين الفريقين في العلم والعمل .
والمراد بالسورة التي فيها تكليف ؟ . وقوله : «مُحْكَمَةُ » أي لم تنسخ ، وقال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين{[51390]} .
{[51391]}قوله : { رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعنى المنافقين { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } شَزْراً بتحديقٍ شديدٍ كراهِيةً منهم للجهاد ، وجبناً عن لقاء العدوِّ .
قوله : { نَظَرَ المغشي } الأصل نَظَراً مثل نَظَراً مثل نَظَر المَغْشِيِّ عليه من الموت كما ينظر الشاخص بصره عنْد الموت .
قوله : { فأولى لَهُمْ طَاعَةٌ } . اختلف اللّغويون والمُعْرِبُونَ ( رَحِمَهُ اللهِ عَلَيْهِمْ ) في هذه اللفظة فقال الأصمعي ( رَحمهُ الله ){[51392]} : إنها فعل ماضٍ بمعنى قاربه ما يهلكه{[51393]} ، وأنشد ( رَحمهُ اللهُ ) :
4474 فَعَادَى بَيْنَ هَادِيَتَيْنِ مِنْهَا *** وَأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ عَلى الثَّلاَثِ{[51394]}
قال ثعلب : لم يقل أحدٌ في أوْلَى أحسنت من الأصمعيِّ{[51395]} . وقال البغوي : معناه وَلِيَكَ وَقَرَبَك ما تكره{[51396]} ولكن الأكثرين{[51397]} على أنه اسم . ثم اختلف هؤلاء فقيل هو مشتق من الوَلْي وهو القريب كقوله :
4475 تُكَلِّفُنِي لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُهَا *** وَعَادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنا وَخُطُوبُ{[51398]}
وقيل : هو مشتق من الوَيْل والأصل فيه أوئل . فقلبت العين إلى ما بعد اللام فصار وزنه أفلع{[51399]} . وإلَى هذا نحا الجُرْجَانيّ{[51400]} والأصل عدم القلب وأما معناها فقيل : هي تهديد ووعيد كقوله :
4476 فَأَوْلَى ثُمَّ أَولَى ثُمَّ أَوْلَى *** وَهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ{[51401]}
وقال المبرد : يقال لمن هم بالغضب{[51402]} : أولى لك كقول أعرابيِّ كان يوالِي رمي الصيد فيفلت منه فيقول : أَوْلَى لَكَ . ثم رمى صيداً فَقَارَبَهُ فأفلت منه فقال ( رَحْمَةُ الله عليه ورِضَاهُ ){[51403]} :
4477 فَلَوْ كَانَ أَوْلَى يُطْعِمُ الْقَوْمَ صِدْتُهُمْ *** وَلَكِنْ أَوْلَى يَتْرُكُ الْقَوْمَ جُوَّعَا{[51404]}
هذا ما يتعلق باشتقاقه ومعناه .
وأما الإعراب فإن قلنا بقول الجمهور ففيه أوجه :
أحدهما : أن «أولى » مبتدأ ( و ){[51405]} «لهم » خبره تقديره : فالهلاك لهم . وسوغ الابتداء بالنكرة كونهُ دُعَاء نحو : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] .
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره : العِقَابُ أو الهَلاك أَوْلَى لهم . أي أقرب واَدْنَى{[51406]} . وقال ابنُ الخطيب : التقدير : فالموت أولى لهم ؛ لأنَّ الموت سبق ذكره في قوله : { نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت } ، وذلك أن الحياة في طاعة الله ورسوله خير منها{[51407]} . ويجوز أن تكون اللام بمعنى الباء أي أولى وأحق بِهِمْ{[51408]} .
الثالث : أنه مبتدأ و«لهم » متعلق به ، واللام بمعنى الباء . و«طاعة » خبره التقدير : أولى بهم طاعة دون غيرها{[51409]} .
وإن قلنا بقول الأصمعي فيكون فعلاً ماضياً ، وفاعله مضمر يدل عليه السِّيَاق ، كأنه قيل : فأولى هو أي الهلاك{[51410]} .
وهذا ظاهر عبارة الزمخشري حيث قال : ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه{[51411]} . وقال ابن عطية : المشهور من استعمال العرب أنك تقول : هذا أولى بك من هذا ، أي أحق{[51412]} . وقد تستعمل العرب «أولى لك » فقط على جهة الحذف والاخْتِصَار ؛ لما معها من القول فتقول : أولى لك يا فلان على جهة الزجر والوعيد . انتهى{[51413]} .
وقال أبو البقاء : أَوْلَى مؤنثة أَوْلاة{[51414]} . وفيه نظر ؛ لأن ذلك إنما يكون في التذكير والتأنيث الحقيقيين ؛ أما التأنيث اللفظي وفلا يقال فيه ذلك{[51415]} . وسيأتي له مزيد بيان في القيامة{[51416]} إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.