المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

96- هو الذي يشق غبش الصبح بضوء النهار ، ليسعى الأحياء إلى تحصيل أسباب حياتهم ، وجعل الليل ذا راحة للجسم والنفس ، وجعل سير الشمس والقمر بنظام دقيق يعرف به الناس مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم .

ذلك النظام المحكم ، تدبير القادر المسيطر على الكون المحيط بكل شيء علماً{[62]} .


[62]:دورة الشمس هي التي علمت الناس حساب الأيام والسنين ودورة القمر هي التي علمتهم حساب الشهور. انظر أيضا التعليق العلمي على تفسير الآية (189) من سورة البقرة.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

ولما ذكر تعالى مادة خلق الأقوات ، ذكر منته بتهيئة المساكن ، وخلقه كل ما يحتاج إليه العباد ، من الضياء والظلمة ، وما يترتب على ذلك من أنواع المنافع والمصالح فقال : { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ } أي : كما أنه فالق الحب والنوى ، كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي ، الشامل لما على وجه الأرض ، بضياء الصبح الذي يفلقه شيئا فشيئا ، حتى تذهب ظلمة الليل كلها ، ويخلفها الضياء والنور العام ، الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم ، ومعايشهم ، ومنافع دينهم ودنياهم .

ولما كان الخلق محتاجين إلى السكون والاستقرار والراحة ، التي لا تتم بوجود النهار والنور { جَعَلَ } الله { اللَّيْلَ سَكَنًا } يسكن فيه الآدميون إلى دورهم ومنامهم ، والأنعام إلى مأواها ، والطيور إلى أوكارها ، فتأخذ نصيبها من الراحة ، ثم يزيل الله ذلك بالضياء ، وهكذا أبدا إلى يوم القيامة { و } جعل تعالى { الشمس وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا } بهما تعرف الأزمنة والأوقات ، فتنضبط بذلك أوقات العبادات ، وآجال المعاملات ، ويعرف بها مدة ما مضى من الأوقات التي لولا وجود الشمس والقمر ، وتناوبهما واختلافهما - لما عرف ذلك عامة الناس ، واشتركوا في علمه ، بل كان لا يعرفه إلا أفراد من الناس ، بعد الاجتهاد ، وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ما يفوت .

{ ذَلِكَ } التقدير المذكور { تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } الذي من عزته انقادت له هذه المخلوقات العظيمة ، فجرت مذللة مسخرة بأمره ، بحيث لا تتعدى ما حده الله لها ، ولا تتقدم عنه ولا تتأخر { الْعَلِيمُ } الذي أحاط علمه ، بالظواهر والبواطن ، والأوائل والأواخر .

ومن الأدلة العقلية على إحاطة علمه ، تسخير هذه المخلوقات العظيمة ، على تقدير ، ونظام بديع ، تحيُّرُ العقول في حسنه وكماله ، وموافقته للمصالح والحكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

ثم بين - سبحانه - ألوانا أخرى من مظاهر قدرته وحكمته فقال : { فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَناً والشمس والقمر حُسْبَاناً } .

الإصباح : مصدر سمى به الصبح ، أى : شاق ظلمة الصبح - وهى الغبش فى آخر الليل الذى يلى الفجر المستطيل الكاذب - عن بياض النهار فيضىء الوجود ، ويضمحل الظلام ، ويذهب الليل بسواده ، ويجىء النهار بضيائه .

وجملة " فالق الإصباح " خبر لمبتدأ محذوف أى : هو فالق ، أو خبر آخر لإنّ { وَجَعَلَ الليل سَكَناً } أى وجعل الليل محلا لسكون الخلق فيه ، وراحة لهم بعد معاشهم بالنهار وسعيهم للحصول على رزقهم .

قال صاحب الكشاف : السكن : ما يسكن إليه الرجل ويطمئن استئناسا به واسترواحا إليه ، من زوج أو حبيب . ومنه قيل للنار سكن لأنه يستأنس بها ، ألا تراهم سموها المؤنسة ، والليل يطمئن إليه المتعب بالنهار لاستراحته فيه ، ويجوز أن يراد : وجعل الليل مسكونا فيه من قوله : ( لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ) .

{ والشمس والقمر حُسْبَاناً } الحسبان فى الأصل مصدر حسب - بفتح السين - كالغفران والشكران تقول حسبت المال حسبانا : أى أحصيته عددا . والمعنى : وجعل الشمس والقمر يجريان فى الفلك بحساب مقدر معلوم لا يتغير ولا يضطرب حتى ينتهى إلى أقصى منازلهما بحيث تتم الشمس دورتها فى سنة ويتم القمر دورته فى شهر ، وبذلك تنتظم المصالح المتعلقة بالفصول الأربعة وغيرها ، قال - تعالى - { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب } وقوله { ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم } أى : ذلك الجعل والتسيير البديع الشأن تقدير العزيز ، أى : الغالب القاهر الذى لا يتعاصاه شىء من الأشياء التى من جملتها تسييرهما على الوجه المخصوص ، العليم بكل شىء فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء .

قال الإمام الرازى عند تفسيره لهذه الآية الكريمة ما ملخصه :

" اعلم أن هذا نوع آخر من دلائل وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته فالنوع المتقدم - أى قوله { إِنَّ الله فَالِقُ } . . . إلخ - كان مأخوذا من دلالة أحوال النبات والحيوان ، والنوع المذكور فى هذه الآية مأخوذ من الأحوال الفلكية ، وذلك لأن فلق ظلمة الليل بنور الصبح أعظم فى كمال القدرة من فلق الحب والنوى بالنبات والشجر ولأن من المعلوم بالضرورة أن الأحوال الفلكية أعظم فى القلوب وأكثر وقعاً من الأحوال الأرضية " .

وبعد أن ساق - رحمه الله - الأدلة على ذلك قال : والعزيز إشارة إلى كمال قدرته ، والعليم إشارة إلى كمال علمه ، ومعناه : أن تقدير الأفلاك بصفاتها المخصوصة ، وهيآتها المحدودة ، وحركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة فى البطء والسرعة ، لا يمكن تحصيله إلا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات ، وعلم نافذ فى جميع المعلومات من الكليات والجزئيات ، وذلك تصريح بأن حصول هذه الأحوال والصفات ليس بالطبع والخاصة ، وإنما هو بتخصيص الفاعل المختار والله أعلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

{ فالق الإصباح } شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل أو عن بياض النهار ، أو شاق ظلمة الإصباح وهو الغبش الذي يليه والإصباح في الأصل مصدر أصبح إذا دخل في الصباح سمي به الصبح . وقرئ بفتح الهمزة على الجمع وقرئ { فالق الإصباح } بالنصب على المدح . { وجاعل الليل سكنا } يسكن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه من سكن إليه إذا اطمأن إليه استئنافا به ، أو يسكن فيه الخلق من قوله تعالى : { لتسكنوا فيه } ونصبه بفعل دل عليه جاعل لا به ، فإن في معنى الماضي . ويدل عليه قراءة الكوفيين { وجعل الليل } حملا على معنى المعطوف عليه ، فإن فالق بمعنى فلق ولذلك قرئ به ، أو به على أن المراد منه جعل مستمر في الأزمنة المختلفة وعلى هذا يجوز أن يكون { والشمس والقمر } عطفا على محل الليل ويشهد له قراءتهما بالجر والأحسن نصبهما بجعل مقدرا . وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مجعولان { حسبانا } أي على أدوار مختلفة يحسب بهما الأوقات ويكونان علمي الحسبان ، وهو مصدر حسب بالفتح كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب . وقيل جمع حساب كشهاب وشهبان . { ذلك } إشارة إلى جعلهما حسبانا أي ذلك التيسير بالحساب المعلوم . { تقدير العزيز } الذي قهرهما وسيرهما على الوجه المخصوص . { العليم } بتدبيرهما والأنفع من التداوير الممكنة لهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

و { فالق الإصباح } أي شاقه ومظهره ، والفلق :الصبح ، وقرأ الجمهور «فالق الإصباح » بكسر الهمزة ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعيسى بن عمر وأبو رجاء «فالق الأصباح » بفتح الهمزة جمع صبح ، وقرأت فرقة «فالق الإصباح » بحذف التنوين «فالقُ » لالتقاء الساكنين ، ونصب «الإصباحَ » ب «فالقٌ » كأنه أراد «فالق الإصباح » بتنوين القاف ، وهذه قراءة شاذة ، وإنما جوز سيبويه مثل هذا في الشعر وأنشد عليها : [ المتقارب ]

فَألْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ . . . وَلاَ ذاكِرَ الله إلاَّ قليلا{[5027]}

وحكى النحاس عن المبرد جواز ذلك في الكلام ، وقرأ أبو حيوة وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب «فلق الإصباح » بفعل ماض ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «وجاعل الليل » وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «وجعل الليل » ، وهذا لما كان «فالق » بمعنى الماضي فكأن اللفظ «فلق الإصباح » وجعل ، ويؤيد ذلك نصب { الشمسَ والقمرَ } ، وقرأ الجمهور «سكناً » وروي عن يعقوب «ساكناً » قال أبو عمرو الداني ولا يصح ذلك عنه ، ونصبه بفعل مضمر إذا قرأنا «وجاعل » لأنه بمعنى المضي ، وتقدير الفعل المضمر وجاعل الليل يجعله سكناً ، وهذا مثل قولك هذا معطي زيد أمس درهماً ، والذي حكاه أبو علي في هذا أن ينتصب بما في الكلام من معنى معطي ، وقرأ أبو حيوة «والشمسِ والقمرِ » بالخفض عطفاً على لفظ «الليل » و { حسباناً } جمع حساب كشهبان في جمع شهاب ، أي تجري بحساب ، هذا قول ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد ، وقال مجاهد في صحيح البخاري : المراد حسبان كحسبان الرحى{[5028]} ، وهو الدولاب والعود الذي عليه دورانه .


[5027]:- سبق أن استشهد ابن عطية بهذا البيت في أكثر من موضع مماثل لهذا.
[5028]:- في جميع الأصول: كحسبان الرحاق- والتصحيح عن البخاري، وعن كتب التفسير مثل: "البحر المحيط".