الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فالق الإصباح } قال : خلق الليل والنهار .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فالق الإصباح } قال : يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فالق الإصباح } قال : إضاءة الفجر .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قوله { فالق الإصباح } قال : فالق الصبح .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله { فالق الإصباح } قال : فالق النور نور النهار .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجاعل الليل سكناً } قال : يسكن فيه كل طير ودابة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والشمس والقمر حسباناً } يعني عدد الأيام والشهور والسنين .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والشمس والقمر حسباناً } قال : يدوران في حساب .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { حسباناً } قال : ضياء .

وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله { والشمس والقمر حسباناً } قال : الشمس والقمر في حساب ، فإذا خلت أيامها فذلك آخر الدهر ، وأول الفزع الأكبر .

وأخرج أبو الشيخ في العظمة بسند واهٍ عن ابن عباس قال : خلق الله بحراً دون السماء بمقدار ثلاث فراسخ ، فهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله لا يقطر منه قطرة ، جار في سرعة السهم تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ، فذلك قوله { كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 33 ] والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر ، فإذا أحب الله أن يحدث الكسوف خرت الشمس عن العجلة فتقع في غمر ذلك البحر ، فإذا أراد أن يعظم الآية وقعت كلها فلا يبقى على العجلة منها شيء ، وإذا أراد دون ذلك وقع النصف منها أو الثلث أو الثلثان في الماء ، ويبقى سائر ذلك على عجلة ، وصارت الملائكة الموكلون بها فرقتين ، فرقة يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة ، وفرقة يقبلون إلى العجلة فيجرونها إلى الشمس ، فإذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ، ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة ، فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء ، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح ، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلق الشمس قال : وخلق الله عند المشرق حجاباً من الظلمة فوضعها على البحر السابع مقدار عدة الليالي في الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة ، فإذا كان عند غروب الشمس أقبل ملك قد وكل بالليل ، فقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ثم يستقبل الغرب ، فلا يزال يرسل تلك الظلمة من خلل أصابعه قليلاً قليلاً وهو يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ، ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء ، فتشرق ظلمة الليل بجناحيه فإذا حان الصبح ضم جناحه ، ثم يضم الظلمة كلها بعضها إلى بعض بكفيه من المشرق ، ويضعها على البحر السابع بالمغرب .

وأخرج أبو الشيخ بسند واه عن سلمان قال : الليل موكل به ملك يقال له شراهيل : فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب ، فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة العين ، وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة ، فإذا غربت جاء الليل فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع ، فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته ، وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها ، فإذا طلعت جاء النهار .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله » .

وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « أحب عباد الله إلى الله رعاء الشمس والقمر ، الذين يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى عباده » .

وأخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم وإلا ظلة لذكر الله » .

وأخرج أحمد في الزهد والخطيب عن أبي الدرداء قال : إن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر .

وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : التاجر الأمين ، والإِمام المقتصد ، وراعي الشمس والنهار » .

وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال : سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله : رجل لقي أخاه فقال : إني أحبك في الله وقال الآخر مثل ذلك ، ورجل ذكر الله ففاضت عيناه من مخافة الله ، ورجل يتصدق بيمينه يخفيها من شماله ، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد من حبها ، ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ، ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت على حلم .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم بن يسار قال : كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم فالق الإصباح ، وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ، اقضِ عني الدين ، وأغنني من الفقر ، وأمتعني بسمعي وبصري ، وقوّني في سبيلك » .