غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

91

ثم عدل عن الأحوال الأرضية إلى الاستدلال بما فوقها وهي الأحوال الفلكية فقال { فالق الإصباح } وهو مصدر سمي به الصبح ، المراد فالق ظلمة الإصباح وهو الغبش في آخر الليل وكأن الأفق كان بحراً مملوءاً من الظلمة . ثم إنه سبحانه شق ذلك البحر المظلم بأن أجرى فيه جدولاً من النور . فالمعنى فالق ظلمة الإصباح بنور الإصباح ، وحسن الحذف للعلم به . أو المراد فالق الإصباح ببياض النهار وإسفاره ومنه قولهم «انشق عمود الفجر وانصدع الفجر » أو المراد مظهر الإصباح بواسطة فلق الظلمة ، فذكر السبب وأراد المسبب ، أو الفالق بمعنى الخالق كما مر وقد سلف لنا تقرير الصبح في البقرة في تفسير قوله عز من قائل { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } [ البقرة : 164 ] ثم إن كون الصبح بسبب وقوع ضوء الشمس على ضلع مخروط ظل الأرض في جانبه الشرقي لا ينافي كون الله سبحانه فالق الإصباح بالحقيقة ، كما أن وجود النهار بسبب طلوع جرم الشمس عن الأفق لا ينافي ذلك ، والإمام فخر الدين الرازي أراد أن يبين أن ذلك بقدرة الفاعل المختار فنفى كونه بسبب ضوء الشمس بحجج اخترعها من عنده وكلها خلاف المعقول والمنقول من علم الرياضة فلذلك أسقطناها عن درجة الاعتبار . النوع الثاني من الدلائل الفلكية الدالة على التوحيد قوله { وجاعل الليل سكناً } حجة من قرأ باسم الفاعل أن المعطوف عليه اسم فاعل ، وحجة من قرأ بصيغة الفعل أن قوله بعد ذلك { والشمس والقمر } منصوبان ولا بد من عامل وما ذلك إلا أن يقدر «جاعل » بمعنى «جعل » . والسكن ما يسكن إليه الرجل ويطمئن إليه من زوج أو حبيب ومنه قيل للنار : سكن كما سموها المؤنسة لأنها يستأنس بها ، والليل يطمئن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه وجمامه . ويحتمل أن يراد : وجعل الليل مسكوناً فيه كما قال { لتسكنوا فيه } [ يونس : 67 ] فالليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم ، فهما نعمتان من الله تعالى وآيتان على وحدته وقدرته . النوع الثالث قوله { والشمس والقمر حسباناً } أي سببي حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بسيرهما ودورهما . والحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب بالكسر . وقيل : إنه جمع حساب مثل «شهاب » «وشهبان » . قال في الكشاف : الشمس والقمر قرئا بالحركات الثلاث . فالنصب على إضمار فعل دل عليه { جاعل الليل } أو يعطفان على محل الليل لأن اسم الفاعل أريد به هاهنا الاستمرار كما تقول : الله عالم قادر . فلا تقصد زماناً دون زمان فتكون الإضافة غير حقيقة ويكون لليل محل . قلت : وهذا مناقض لما ذكره في { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] من أنه يجوز أن يراد به زمان مستمر حتى تكون الإضافة حقيقية ، ويصح وقوعه صفة للمعرفة . وأما وجه الجر فظاهر . ووجه الرفع كونهما مبتدأين محذوفي الخبر أي والشمس والقمر مجعولان أو محسوبان حسباناً { وذلك } الجعل { تقدير العزيز } الذي قهرهما { العليم } الذي دبرهما . وذلك أن تقدير أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة وهيآتها المحدودة وأوضاعها المعينة لا يتم إلا بقدرة شاملة لجميع الممكنات وعلم نافذ في الكليات والجزيئات .

/خ100