المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

188- وقد حرَّم الله عليكم أكل مال غيركم دون وجه من الحق دائماً ، فلا يستحل أحدكم مال غيره إلا بوجه من الوجوه التي شرعها الله كالميراث والهبة والعقد الصحيح المبيح للملك{[13]} ، وقد ينازع أحدكم أخاه في المال وهو مبطل ، ويرفع أمره إلى الحاكم أو القاضي ليحكم له وينتزع من أخيه ماله بشهادة باطلة أو بينة كاذبة ، أو رشوة خبيثة ، فبئس ما يفعل وما يجرُّ على نفسه من سوء الجزاء .


[13]:هذه الآية الكريمة إشارة إلى جريمة الرشوة، وهي أخطر الجرائم التي تودي بالأمم. وفي نص الآية جميع الأركان لتلك الجريمة من راش صاحب حاجة، ومرتش وهو أحد الحكام ذوي السلطان يبيع سلطانه الوظيفي ليعطي الراشي ما ليس له به حق، أو يعطل على صاحب الحق حقه لمصلحة الراشي.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

{ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

أي : ولا تأخذوا أموالكم أي : أموال غيركم ، أضافها إليهم ، لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويحترم ماله كما يحترم ماله ، ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة .

ولما كان أكلها نوعين : نوعا بحق ، ونوعا بباطل ، وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل ، قيده تعالى بذلك ، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية ، أو نحو ذلك ، ويدخل فيه أيضا ، أخذها على وجه المعاوضة ، بمعاوضة محرمة ، كعقود الربا ، والقمار كلها ، فإنها من أكل المال بالباطل ، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح ، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة ، ونحوها ، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم ، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه ، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى ، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات ، والأوقاف ، والوصايا ، لمن ليس له حق منها ، أو فوق حقه .

فكل هذا ونحوه ، من أكل المال بالباطل ، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه ، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم الشرع ، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة ، غلبت حجة المحق ، وحكم له الحاكم بذلك ، فإن حكم الحاكم ، لا يبيح محرما ، ولا يحلل حراما ، إنما يحكم على نحو مما يسمع ، وإلا فحقائق الأمور باقية ، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ، ولا شبهة ، ولا استراحة .

فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة ، وحكم له بذلك ، فإنه لا يحل له ، ويكون آكلا لمال غيره ، بالباطل والإثم ، وهو عالم بذلك . فيكون أبلغ في عقوبته ، وأشد في نكاله .

وعلى هذا فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه ، لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى : { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

وبعد أن أنهى القرآن حديثه عن الصيام ، وما يتعلق به من أحكام ، أردف ذلك بالنهي عن أكل الحرام ، لأنه يؤدي إلى عدم قبول العبادات من صيام واعتكاف ودعاء وغير ذلك فقال - تعالى - : { وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام . . . }

الخطاب في الآية الكريمة موجه إلى المؤمنين كافة في كل زمان ومكان .

والمراد بالأكل مطلق الأخذ بغير وجه حق ، وعبر عنه بالأكل ، لأن الأكل أهم وسائل الحياة ، وفيه تصرف الأموال غالباً .

والباطل في اللغة : الزائل الذاهب ، يقال : بطل يبطل بطولا وبطلانا . أي ذهب ضياًعا وخسراً . وجمع الباطل أباطيل . ويقال : بطل الأجير يبطل بطالة إذا تعطل واتبع اللهو .

والمراد هنا : كل ما لم يبح الشرع أخذه من المال وإن طابت به النفس ، كالربا والميسر وثمن الخمر ، والرشوة ، وشهادة الزور ، والسرقة ، والغصب ، ونحو ذلك مما حرمه الله - تعالى - .

والباء للسببية ، والجار والمجرور متعلق بالفعل قبله ، وكذلك قوله : { بَيْنَكُمْ } .

والمعنى : لا يأخذ بعضكم مال بعض ، ويستولي عليه بغير حق ، متذرعا بالأسباب الباطلة ، والحيل الزائفة ، وما إلى ذلك من وجوه التعدي والظلم .

وفي قوله - تعالى - : { أَمْوَالَكُمْ } - مع أن أكل المال يتناول مال الإِنسان ومال غيره - في هذا القول إشعار بوحدة الأمة وتكافلها ، وتنبيه إلى أن احترام مال غيرك وحفظه هو عين الاحترام والحفظ لمالك أنت ، ففي هذه الإضافة البليغة تعليل للنهي ، وبيان لحكمة الحكم ، إذا استحلال الإِنسان لمال غيره يجرئ هذا الغير على استحلال مال ذلك الإِنسان المتعدي ، وإذا فشا هذا السلوك في أمة من الأمم أدى بها إلى الضعف والتعادي والتباغض .

فما أحكم هذا التعبير ، وما أجمل هذا التصوير .

وقوله : { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام } معطوف على { وَلاَ تأكلوا } .

والإِدلاء في الأصل : إرسال الدلو في البئر للاستقاء . ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء ؛ ومنه أدلى فلان بحجته ، أي : أرسلها ليصل إلى مراده .

والمراد بالإِدلاء هنا : الدفع والإِلقاء بالأموال إلى الغير من أجل الوصول إلى أمر معين .

والحكام : جمع حاكم ، وهو الذي يتصدى للفصل بين الناس في خصوماتهم وقضاياهم .

والفرق : الطقعة المعزولة من جملة الشيء ، ومنه قيل للقطعة من الغنم تشذ عن معظمها فريق .

والإِثم : الفعل الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب . وجمعه آثام .

والمعنى : لا يأخذ بعضكم أموال بعض - أيها المسلمون - ولا يستولي عليها بغير حق ، ولا تدلوا بها الى الحكام ، أي ولا تلقوا أمرها والتحاكم فيها إلى القضاة ، لا من أجل الوصول إلى الحق ، وإنما من أجل أن تأخذوا عن طريق التحاكم قطعة من أموال غيركم متلبسين بالإِثم الذي يؤدي إلى عقابكم ، حال كونكم تعلمون أنكم على باطل ، ولا شك أن إتيان الباطل مع العلم بأنه باطل أدعى إلى التوبيخ من إتيانه على جهالة به .

فعلى هذا الوجه يكون المراد بالإِدلاء بالأموال إلى الحكام طرحها أمامهم ليقضوا فيها ، وليتوسل بعض الخصوم عن طريق هذا القضاء إلى أكل الأموال بالباطل حين عجزوا عن أكلها بالمغالبة .

وهناك وجه آخر تحتمله الآية احتمالا قريباً ، وبه قال كثير من العلماء وهو أن المراد بالإِدلاء بالأموال إلى الحكام ، إلقاءؤها إليهم على سبيسل الرشوة ليصلوا من وراء ذلك إلى أن يحكموا لصالحهم بالباطل ، وعليه يكون المعنى .

لا يأخذ بضعكم أموال بعض أيها المسلمون ، ولا تلقوا ببعضها إلى حكام السوء على سبيل الرشوة ، لتتوصلوا بأحكامهم الجائرة إلى أكل فريق من أموال الناس بغير حق . ولا غربة في أن يعني القرآن في سياسته الرشيدة بالتحذير من جريمة الرشوة ، فإنها المعول الذي يهدم صرح العدل من أساسه وبها تفقد مجالس القضاء حرمتها وكرامتها ، وتصير تلك المجالس موطنا للظلم لا للعدل .

وخص القرآن الكريم هذه الصورة بالنهي - وهي صورة الإِدلاء بالأموال إلى الحكام - مع أنه قد ذكر ما يشملها بقوله : { وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل } لأنها على وجهي تفسيرها شديدة الشناعة ، جامعة لمنكرات كثيرة ، كالظلم ، والتباغض والرشوة ، والغصب وغير ذلك . والحق ، أن هذه الآية الكريمة أصل من الأصول التي يقوم عليها إصلاح المعاملات ، وقد أخذ العلماء منها حرمة أكل أموال الناس بالباطل ، وحرمة إرشاء الحكام ليقضي للراشي بمال غيره ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الجميع في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش " وهو الواسطة الذي يمشي بينهما .

كما أخذوا منها أن حكم الحاكم على ما يقتضيه الظاهر من أمر القضية لا يحل في الواقع حراماً ، ولا يحرم حلالاً ، والدليل على ذلك ما أخرجه الشيخان عن أم سلمة - رضي الله عنها - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته ، فخرج إليهم فقال : " إنما أنا بشر وإنه ليأتيني الخصم . فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه قد صدق ، فأقضى له بذلك . فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها " .

قال الإِمام ابن كثير : فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر ، فلا يحل في نفس الأمر حراماً ولا يحرم حلالا ، وإنماهو ملزم في الظاهر فإن طبق في نفس الأمر فذاك وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره . ولهذا قال - تعالى - في آخر الآية { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . أي تعلمون بطلان ما تدعونه وترجونه في كلامكم . وبذلك تكون الآية الكريمة قد رسمت طريق الحق لمن يريد أن يسير فيه { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

قال علي ابن أبي طلحة ، وعن ابن عباس : هذا في الرجل يكون عليه مال ، وليس عليه فيه بَيِّنة ، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام ، وهو يعرف أن الحق عليه ، وهو يعلم أنه آثم آكل حرامٍ .

وكذا روي عن مجاهد ، وسعيد بن جُبَير ، وعكرمة ، والحسن ، وقتَادة ، والسدّي ، ومقاتل بن حَيّان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا : لا تُخَاصمْ وأنت تعلمُ أنَّك ظالم . وقد ورد{[3367]} في الصحيحين عن أم سلمة : أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إنما أنا بَشَر ، وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من نار ، فَلْيَحْملْهَا ، أو ليذَرْها " {[3368]} . فدلت هذه الآية الكريمة ، وهذا الحديث على أنّ حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر ، فلا يُحلّ في نفس الأمر حرامًا هو حرام ، ولا يحرم حلالا هو حلال ، وإنما هو يلزم{[3369]} في الظاهر ، فإن طابق في{[3370]} نفس الأمر فذاك ، وإلا فللحاكم أجرُه وعلى المحتال وزْره ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا } [ أي : طائفة ]{[3371]} { مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجون في كلامكم .

قال قتادة : اعلم - يا ابن آدم - أن قضاء القاضي لا يُحِل لك حرامًا ، ولا يُحقُّ لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى {[3372]} ويشهد به الشهود ، والقاضي بَشَر يخطئ ويصيب ، واعلموا أنّ من قُضي له بباطل أنّ خصومته لم تَنْقَض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة ، فيقضي على المبطل للمحق بأجودَ مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا .

وقال أبو حنيفة : حكم الحاكم بطلاق الزوجة إذا شهد عنده شاهدا زور في نفس الأمر ، ولكنهما عدلان عنده يحلها للأزواج حتى للشاهدين ويحرمها على زوجها الذي حكم بطلاقها منه ، وقالوا : هذا كلعان المرأة ، إنه يبينها من زوجها ويحرمها عليه ، وإن كانت كاذبة في نفس الأمر ، ولو علم الحاكم بكذبها لحدها ولما حرمها وهذا أولى .

مسألة : قال القرطبي : أجمع أهل السنة على أن من أكل مالا حرامًا ولو ما يصدق عليه اسم المال أنه يفسق ، وقال بشر بن المعتمر في طائفة من المعتزلة : لا يفسق إلا بأكل مائتي درهم فما زاد ، ولا يفسق بما دون ذلك ، وقال الجبائي : يفسق بأكل درهم فما فوقه إلا بما دونه .


[3367]:في جـ: "وقد روي".
[3368]:صحيح البخاري برقم (2458، 6967) وصحيح مسلم برقم (1713) من حديث أم سلمة رضي الله عنها
[3369]:في جـ: "هو ملزم".
[3370]:في جـ: "ما في".
[3371]:زيادة من جـ، أ.
[3372]:في جـ: "على نحو ما ترى".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } أي ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله تعالى . وبين نصب على الظرف ، أو الحال من الأموال . { وتدلوا بها إلى الحكام } عطف على المنهي ، أو نصب بإضمار أن ، والإدلاء الإلقاء ، أي ولا تلقوا حكومتها إلى الحكام . { لتأكلوا } بالتحاكم . { فريقا } طائفة . { من أموال الناس بالإثم } بما يوجب إثما ، كشهادة الزور واليمين الكاذبة ، أو ملتبسين بالإثم . { وأنتم تعلمون } أنكم مبطلون ، فإن ارتكاب المعصية مع العلم بها أقبح . روي أن عبدان الحضرمي ادعى على امرئ القيس الكندي قطعة من أرض ولم يكن له بينة ، فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحلف امرؤ القيس ، فهم به فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية . فارتدع عن اليمين ، وسلم الأرض إلى عبدان ، فنزلت . وفيه دليل على أن حكم القاضي لا ينفذ باطنا ، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : " إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إلي . ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له قطعة من نار " .