{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً [ 1 ] مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ { 188 } }
فريقاً : هنا بمعنى قسماً أو بعضاً .
في الآية نهي موجه للسامعين المخاطبين عن أكل أموال بعضهم بالباطل أو التوسل بها مع الحكام بقصد أكل شيء من أموال بعضهم بغير حقّ وعن عمد وعلم وبيان ما في ذلك من إثم .
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ الخ }
والآية فصل تشريعي جديد كما هو ظاهر ، وقد تلهم روحها أن الخطاب فيها موجه إلى المؤمنين ؛ وإن كان إطلاقه يفيد تلقيناً مستمر المدى وشاملاً لجميع الناس ، وقد يكون هذا الفصل نزل بعد فصل الصيام فوضع بعده أو يكون ذلك للمماثلة التشريعية .
وقد روى المفسرون {[295]} أن الآية نزلت في مناسبة شكاية أحد المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم على آخر غصب له أرضاً . فكلفه بإقامة البينة فعجز فكلّف المدعى عليه باليمين فهمّ بأن يحلف فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أمّا إنه إن حلف على ما ليس له ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض . ثم قال : إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم ألحن {[296]} بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذنّ منه شيئا فإنما أقضي له قطعة من نار فليتحمّلها أو يذرها » . فارتدع المدعى عليه عن اليمين وسلّم الأرض إلى صاحبها المدعي فلم تلبث أن نزلت الآية .
وفي الكتب الخمسة ثلاثة أحاديث فيها ما جاء في رواية الخازن مع زيادات موضحة مفيدة دون أن يذكر فيها أن الآية نزلت في المناسبة المذكورة في رواية الخازن .
أولها حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي جاء فيه : «جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها وليس له فيها حق . فقال النبي للحضرميّ : ألك بيّنة ؟ قال : لا . قال : فلك يمين ؟ قال : يا رسول الله إنه فاجر لا يبالي بما حلف ليس يتورّع عن شيء . فقال : ليس لك منه إلا ذلك . فانطلق الرجل ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن حلف على مالك ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض » {[297]} . وثانيهما رواه أبو داود عن أم سلمة قالت : «أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما ليست لهما بيّنة إلا دعواهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من قضيت له من حقّ أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار . فبكى الرجلان وقال كلّ منهما : حقّي لك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخّيا الحق ثم استهما ثم تحالاّ . وفي رواية : إنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه » {[298]} . وثالثهما حديث عن أم سلمة يرويه الخمسة جاء فيه : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار » {[299]} .
ومهما يكن من أمر فإن الآية قد تلهم أنها نزلت بسبب حادث مشابه لما جاء في رواية الخازن أو الحديثين الأولين . وقد جاءت بصيغة عامة فيكون التوجيه أو التلقين الذي احتوته هدى للمسلمين في كل زمن وزاجراً لهم عن الارتكاس فيما نهت عنه إيماناً ويقيناً وتقوى .
وينطوي في الآية النهي عن شهادة الزور والتزوير والحجة الباطلة المزوقة والدعوى المنمقة الخادعة التي تصور الحق باطلا والباطل حقا عن عمد وعلم ، بل وينطوي فيها نهي عن استحلال المسلم مال أخيه بأية وسيلة من وسائل الباطل من غشّ وتغرير وكذب وغبن وافتعال وأيمان وقمار وسرقة ورشوة وخيانة الخ .
وقوة الزجر والتوجيه في الآية ملموحة ومتسقة مع شدة اهتمام القرآن لإقرار الحق وتوطيده وقيام العدل والإنصاف بين الناس والزجر عن الباطل والبغي والاحتيال والتزوير وتقبيح كل ذلك . وهذه القوة منطوية في الأحاديث النبوية حيث يتساوق التلقين القرآني والنبوي في هذا الأمر كما يتساوق في جميع الأمور .
ولقد رأى بعض المفسرين في تعبير { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ } معنى الرشوة والقصد إليها . وهذا المعنى أو القصد منطوٍ في الآية سواء أدلّ هذا التعبير بالذات عليه أو لم يدلّ . وفي هذا أيضاً يتساوق التلقين القرآني مع التلقين النبوي ؛ حيث روى أبو داود وأحمد والترمذي حديثاً عن أبي هريرة جاء فيه : «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم » {[300]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.