فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون }

{ لا تأكلوا } قد يراد به لا تأخذوا ولا تستولوا

{ بالباطل } في اللغة الذاهب الزائل واتباع اللهو وإبليس كما في الآية الكريمة { لا يأتيه الباطل . . } إبليس لا يزيد في القرآن ولا ينقص . والشرك كما في قوله تعالى { ويمح الله الباطل . . } والبطلة السحرة . وفي الشرع كل ما لم يؤذن بأخذه فهو باطل وحرام كالسرقة والغصب والرشوة ونحوها . { تدلوا } الأصل فيه إرسال الحبل في البئر ثم استعير للتوصل إلى الشيء . { فريقا } قطعة وجملة { بالإثم } بما وقع في الذنب كالزور والخيانة .

نهى الله تعالى عن أخذ الأموال والاستيلاء عليها أو الأكل أوالانتفاع بها إن كانت مما لم يأذن به شرع الله كما نهى سبحانه عن الإدلاء بالأموال إلى الحكام رشوة أو إلقاء أمر الأموال المتنازع عليها وإسناد ذلك تحاكما إليهم بغية اقتطاع شيء من أموال الغير بغيا بشهادة زور أو بيمين كاذبة أو بصلحن مع العلم بأن المقضى له ظالم ، والفرق بين الوجهين أن الحكام على الأول حكام السوء الذين يقبلون الرشا ، فبها يصير المقصود البعيد قريبا ، وإذا أخذها حاكم السوء مضى في الحكم من غير ثبت . . وعلى الثاني قد يكون الحاكم عادلا ولكن قد يشتبه عليه الحق{[608]} ؛ روى البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال ( إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها ) { وأنتم تعلمون } أنكم على الباطل وارتكاب المعاصي مع العلم بقبحها أقبح وهذا أشد لعقابهم .


[608]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.