التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (188)

قوله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) .

ذلك نهي عن أكل الأموال بغير الحق ويشمل ذلك كل وجوه الأكل الحرام مما تبين عن طريق الكتاب أو السنة . والأكل الحرام يذهب بالبركة ، ويرسخ في النفس درن الشرح والجشع ، ويشيع بين الناس الكراهية والتحاسد والبغضاء ، وينتزع من بين الأفراد كل بقية للمودة أو الثقة أو البركة .

وأكل الأموال بالباطل أو جهة كثيرة ، وهي كالرشا والقمار والسرقة والتطفيف في الميزان والمكيال ، وكذلك أثمان الخمور والخنازير وأجور النساء الزواني اللواتي يأتين الفاحشة ، ثم أكل المهور وغيرها من الأموال عن غير طيب نفس أو الاحتكار والربا والغش والخداع في البيع والتعامل وغير ذلك من أصناف الأكل الحرام الذي يسحت البركة ويودي بالآكلين الظالمين إلى النار . وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام : " ومن نبت جسمه من حرام ، فالنار أولى به " .

وقوله : ( وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم ) أي لا تأكلوا أموال الناس بغير حق ، ثم تعمدوا بعدها لمصانعة الحكام أو القضاة فترشوهم بالمال لكي يقضوا لكم بالباطل . واعلموا أن أي قضاء من هذا النوع لا يُحل حراما ولا يقلب لكم الباطل حقا ، بل إن الحرام لا يتحول عن صفته هذه بالحكم الجائر أو القضاء الباطل . فإذا قضى القاضي لأحد الخصمين بالباطل فما يأكل هذا الخصم إلا الحرام أو النار ، ولا يبيت ماله هذا حلالا بمجرد القضاء غير المطابق سيء النية قد جار في حكمه عن قصد . ويمكن القول كذلك أن القاضي لا إثم عليه ولا حرج إذا ما قضى في ضوء ما يتراءى له من بينة جلية كافية ، فهو يقضي بحسب الظاهر وليس له بعد ذلك أن ينقب عن القلوب والسرائر .

وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله ( ص ) قال لاثنين جاءا إليه يختصمان : " لا إنما أنا بشر ، وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها " وبذلك فإن الحكم من الحاكم في قضية للمتخاصمين لا يغير الشيء عن حقيقة أمره . فهو لا يحوّل الحرام حلالا ولا يحول الحلال حراما . ولكن الحاكم يحكم على الظاهر من البينة . فلا يحل المال إذا لخصم ذي براعة في التحيّل واختلاق البينات الكاذبة مهما تعددت وتضافرت ؛ لأنه يعلم أنه مبطل وأنه مفتر وأنه آكل أموال الناس بالباطل ؛ لذلك قال سبحانه في الآية : ( وأنتم تعلمون ) الواو للحال . ( أنتم ) ضمير في محل رفع مبتدأ ( تعلمون ) جملة فعلية في محل رفع خبر .