{ 11-12 } { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }
أي : قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي : ما سبقنا إليه المؤمنون أي : لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان ، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين ؟ هل هم أزكى نفوسا ؟ أم أكمل عقولا ؟ أم الهدى بأيديهم ؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي : هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه .
ثم حكى - سبحانه - بعض الأعذار الفاسدة ، التى اعتذر بها الكافرون عن عدم دخولهم فى الإِسلام ، ورد عليهم بما يكبتهم ، وبشر المؤمنين الصادقين بما يشرح صدورهم فقال : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ . . . بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } روايات منها : أن مشركى مكة حين رأوا أن أكثر المؤمنين من الفقراء ، كعمار ، وبلال ، وعبد الله بن مسعود . قالوا ذلك .
وسبب قولهم هذا ، اعتقادهم الباطل ، أنهم هم الذين لهم عند الله العظمة والجاه والسبق إلى كل مكرمة ، لأنهم هم أصحاب المال والسلطان ، أما أولئك الفقراء فلا خير فيهم ، ولا سبق لهم إلى خير .
أى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا - على سبيل السخرية والاستخفاف بهم - ، لو كان هذا الذى أنتم عليه من الإِيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - حقا وخيرا ، لما سبقتمونا إليه ، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء . . وأنتم الضعفاء الفقراء . .
فهم - لانطماس بصائرهم وغرورهم - توهموا أنهم لغناهم وجاههم هم المستحقون للسبق إلى كل خير ، وأن غيرهم من الفقراء لا يعقل ما يعقلونه ، ولا يفهم ما يفهمونه . . ومن الآيات الكريمة التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى - : { وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } وقوله - سبحانه - : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هاذآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } تعجيب من غرروهم وعنادهم ، ورميهم بما هو برئ منه .
و " إذ " ظرف لكلام محذوف دل عليه الكلام ، أى : وإذا لم يهتدوا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه ، ظهر عنادهم واستكبارهم وقالوا هذا القرآن كذب قديم من اخبار السابقين ، نسبة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه .
وشبيه بهذا الآية . قوله - تعالى - : { وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }
وقوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي : قالوا عن المؤمنين بالقرآن : لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه{[26394]} . يعنون بلالا وعمارا وصُهَيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم{[26395]} من المستضعفين والعبيد والإماء ، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية . وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ، وأخطئوا خطأ بينا ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } [ الأنعام : 53 ] أي : يتعجبون : كيف اهتدى هؤلاء دوننا ؛ ولهذا قالوا : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وأما أهل السنة{[26396]} والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها {[26397]} .
وقوله : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ } أي : بالقرآن { فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ } أي : كذب { قَدِيمٌ } أي : مأثور عن الأقدمين ، فينتقصون القرآن وأهله ، وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بطر{[26398]} الحق ، وغَمْط الناس " {[26399]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هََذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : وقال الذين جحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به ، لو كان تصديقكم محمدا على ما جاءكم به خيرا ، ما سبقتمونا إلى التصديق به ، وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ أنه معنيّ به عبد الله بن سلام ، فأما على تأويل من تأوّل أنه عُني به مشركو قريش ، فإنه ينبغي أن يوجه تأويل قوله : وَقالَ الّذِين كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ أنه عُنِي به مشركو قريش وكذلك كان يتأوّله قتادة ، وفي تأويله إياه كذلك ترك منه تأويله ، قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ أنه معنيّ به عبد الله بن سلام . ذكر الرواية عنه بذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ قال : قال ذاك أناس من المشركين : نحن أعزّ ، ونحن ، ونحن ، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فإن الله يختصّ برحمته من يشاء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ قال : قد قال ذلك قائلون من الناس ، كانوا أعزّ منهم في الجاهلية ، قالوا : والله لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه بنو فلان وبنو فلان ، يختصّ الله برحمته من يشاء ، ويكرم الله برحمته من يشاء ، تبارك وتعالى .
وقوله : وَإذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ يقول تعالى ذكره : وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى ، فيرشدوا به الطريق المستقيم فَسَيَقُولُونَ هَذَا إفْكٌ قَدِيمٌ يقول : فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكاذيب من أخبار الأوّلين قديمة ، كما قال جل ثناؤه مخِبرا عنهم ، وَقالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلاً .
وقوله تعالى : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه } قال قتادة : هي مقالة قريش ، يريدون عماراً وصهيباً وبلالاً ونحوهم ممن أسلم وآمن بالنبي عليه السلام . وقال الزجاج والكلبي وغيره : هي مقالة كنانة وعامر وسائر قبائل العرب المجاورة ، قالت ذلك حين أسلمت غفار ومزينة وجهينة . وقال الثعلبي : هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وغيره منهم . والإفك : الكذب ، ووصفوه بالقدم ، بمعنى أنه في أمور متقادمة ، وهذا كما تقول لرجل حدثك عن أخبار كسرى وقيصر ، هذا حديث قديم ، ويحتمل أن يريدوا أنه إفك قيل قديماً .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وقال الذين جحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل للذين آمنوا به، لو كان تصديقكم محمدا على ما جاءكم به خيرا، ما سبقتمونا إلى التصديق به، وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله:"وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ" أنه معنيّ به عبد الله بن سلام، فأما على تأويل من تأوّل أنه عُني به مشركو قريش، فإنه ينبغي أن يوجه تأويل قوله: "وَقالَ الّذِين كَفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرا ما سَبَقُونا إلَيْهِ "أنه عُنِي به مشركو قريش وكذلك كان يتأوّله قتادة...
وقوله: "وَإذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ" يقول تعالى ذكره: وإذ لم يبصروا بمحمد وبما جاء به من عند الله من الهدى، فيرشدوا به الطريق المستقيم، "فَسَيَقُولُونَ هَذَا إفْكٌ قَدِيمٌ" يقول: فسيقولون هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أكاذيب من أخبار الأوّلين قديمة، كما قال جل ثناؤه مخِبرا عنهم، "وَقالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَىَ عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلاً"...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل أن يكون هذا القول من الأجِلّة والرؤساء منهم الذين كان منهم صلة الأرحام وأنواع الخيرات والأعمال الصالحة؛ قالوا: إنا سبقناهم في الخيرات سوى ذلك؛ فلو كان ذلك الذي تدعونا إليه خيرا ما سبقونا إليه كما لم يسبقونا إلى سائر الخيرات...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وهو كلام كفار مكة، قالوا: عامّة من يتبع محمداً السقاط، يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والإفك: الكذب، ووصفوه بالقدم، بمعنى أنه في أمور متقادمة، وهذا كما تقول لرجل حدثك عن أخبار كسرى وقيصر، هذا حديث قديم، ويحتمل أن يريدوا أنه إفك قيل قديماً...
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا الكلام أجاب عنه بقوله {وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} والمعنى أنهم لما لم يقفوا على وجه كونه معجزا... {وإذ لم يهتدوا به} ظهر عنادهم {فسيقولون هذا إفك
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي: قالوا عن المؤمنين بالقرآن: لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه. يعنون بلالا وعمارا وصُهَيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم من المستضعفين والعبيد والإماء، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية، وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، وأخطئوا خطأ بينا... {قَدِيمٌ} أي: مأثور عن الأقدمين، فينتقصون القرآن وأهله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وقال الذين كفروا} أي تعمدوا تغطية الحق {للذين} أي لأجل إيمان الذين {آمنوا} إذ سبقوهم إلى الإيمان: {لو كان} إيمانهم بالقرآن وبهذا الرسول {خيراً} أي من جملة الخيور {ما سبقونا إليه} ونحن أشرف منهم وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلم بتحصيل العز والسؤدد الذي هو مناط الخير...
{وإذ} أي وحين {لم يهتدوا به} يقولون عناداً وتكبراً وكفراً: لو كان هدى لأبصرناه ولم يعلموا أنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. ولما كان التقدير: فإن قيل لهم: فما هو؟ أجابه بقوله مسبباً عن هذا المقدر علماً من أعلام النبوة: {فسيقولون} بوعد لا خلف فيه لأن الناس أعداء ما جهلوا ولأنهم لم يجدوا على ما يدعونه من أنه لو كان خيراً لسبقوا غيرهم إليه- دليلاً: {هذا} أي الذي سبقتم إليه {إفك} أي شيء مصروف عن وجهه إلى قفاه {قديم} أفكه غيره وعثر هو عليه فأتى به ونسبه إلى الله.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
(...قالوا ذلك) لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة، ولم يعلموا أن الله سبحانه يختصّ برحمته من يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، ويصطفي لدينه من يشاء...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لو كان هذا الدين خيرا ما كان هؤلاء أعرف منا به، ولا أسبق منا إليه. فنحن، في مكانتنا وسعة إدراكنا وحسن تقديرنا، أعرف بالخير من هؤلاء!...
(وإذ لم يهتدوا به فسيقولون: هذا إفك قديم).. طبعا! فلا بد من عيب في الحق ما داموا لم يهتدوا به، ولم يذعنوا له. لا بد من عيب في الحق لأنهم هم لا يجوز أن يخطئوا. وهم في نظر أنفسهم، أو فيما يريدون أن يوحوا به للجماهير، مقدسون معصومون لا يخطئون!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذآ إِفْكٌ قديم}. عطف على جملة {وقال الذين كفروا للذين آمنوا} الآية، أي فقد استوفوا بمزاعمهم وجوه الطعن في القرآن فقالوا: {سحر مبين} [الأحقاف: 7] وقالوا {افتراه} [الأحقاف: 8]، وقالوا {لو كان خيراً ما سبقونا إليه}، وبقي أن يقولوا هو {إفك قديم}...
ومعنى الآية: وإذ لم تحصل هدايتهم بالقرآن فيما مضى فسيستمرون على أن يقولوا هو {إفك قديم} إذ لا مطمع في إقلاعهم عن ضلالهم في المستقبل. ولمّا كانت {إذ} ظرفاً للزمن الماضي وأضيفت هنا إلى جملة واقعة في الزمن الماضي كما يقتضيه النفي بحرف {لَم} تعين أن الإخبار عنه بأنهم سيقولون {هذا إفك} أنهم يقولونه في المستقبل، وهو مؤذن بأنهم كانوا يقولون ذلك فيما مضى أيضاً لأن قولهم ذلك من تصاريف أقوالهم الضالة المحكية عنهم في سور أخرى نَزلت قبل هذه السورة، فمعنى {فسيقولون} سيدومون على مقالتهم هذه في المستقبل...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} لأننا السابقون إلى الخير في كل المواقع، لكننا لم نرَ فيه ملامح الخير للبشرية {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} أي بالقرآن، أو بالإيمان في مضمونه الفكري والعملي، {فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي من الأكاذيب القديمة ومن أساطير الأولين، ولا يستند قولهم هذا إلى قاعدةٍ فكريةٍ تميز بين الصدق والكذب، وبين الأسطورة والواقع، بل إلى عقدة الكبرياء الكامنة في عمق شخصياتهم التي تحاول إعطاء مواقفها السلبية من القضايا بعداً منطقياً بادعاء وجود خلل ما في مضمونها. وهذا هو الأساس في كلامهم المذكور في الفقرة السابقة من الآية: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} ليصوّروا أن رفضهم للرسالة يتحرك من موقع عدم قبولهم إلا بالخير الذي اكتشفوا أن الدعوة القرآنية لا تمثّله.