وأقسم - سبحانه - ثالثا ورابعا بقوله : { والشفع والوتر } والشفع : ما يكون ثانيا لغيره ، والوتر : هو الشئ المنفرد .
وقد ذكرالمفسرون فى المراد بهذين اللفظين أقوالا متعددة ، فمنهم من يرى أنهما يعمان كل الأشياء شفعها ووترها ، ومنهم من يرى أن المراد بالشفع : يوم النحر ، لكونه اليوم العاشر من ذى الحجة ، وأن المراد بالوتر : يوم عرفة ، لأنه اليوم التاسع من شهر ذى الحجة . ومنهم من يرى أن المراد بهما : الصلاة المكتوبة ، ما كان منها شفعا ، كصلاة الظهر والعصر والعشاء والصبح ، وما كان منها وترا كالمغرب .
ومنهم من يرى أن المراد بالشفع : جميع المخلوقات ، وبالوتر : الله - تعالى - الواحد الصمد .
وقد رجح بعض العلماء هذا القول فقال ما ملخصه : والواقع أن أقرب الأقوال عندى - والله أعلم - . أن المراد بالوتر ، هو الله - تعالى - ، للحديث : " إن الله وتر يحب الوتر "
وما سواه شفع . . لأنه ثبت علميا أنه لا يوجد كائن موجود بمعنى الوتر قط ، حتى الحصاة الصغيرة ، فإنه ثبت أن كل كائن جماد أو غيره مكون من ذرات ، والذرة لها نواة ومحيط .
ولهذا كان القول بأن الوتر هو الله ، وبأن الشفع : جميع المخلوقات . . هو الراجح ، وهو الأعم فى المعنى .
" والشفع والوتر " . . يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب . جو الفجر والليالي العشر . . " ومن الصلاة الشفع والوتر " [ كما جاء في حديث أخرجه الترمذي ] وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو . حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة ، بروح الوجود الساجية ! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة ، وروح الفجر الوضيئة .
واختلف الناس في { الشفع والوتر } فقال جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { الشفع } يوم النحر { والوتر } يوم عرفة{[11788]} وروى أيوب عنه صلى الله عليه وسلم قال : «الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى ، والوتر ليلة النحر{[11789]} » وروى عمران بن حصين عنه عليه السلام أنه قال : «هي الصلوات منها الشفع ومنها الوتر{[11790]} » وقال ابن الزبير وغيره : { الشفع } اليومان من أيام التشريق { والوتر } ، اليوم الثالث ، وقال آخرون : { الشفع } العالم ، { والوتر } الله إذا هو الواحد محضاً وسواه ليس كذلك ، وقال بعض المتأولين : { الشفع } آدم وحواء ، و { الوتر } الله ، وقال ابن سيرين ومسروق وأبو صالح : { الشفع والوتر } شائعان الخلق كله ، الإيمان والكفر والإنس والجن وما اطرد على نحو هذا فهي أضداد أو كالأضداد ، وترها الله تعالى فرد أحد . وقيل { الشفع } : الصفا والمروة ، { والوتر } البيت ، وقال الحسن بن الفضل : { الشفع } أبواب الجنة لأنها ثمانية أبواب ، { والوتر } أبواب النار لأنها سبعة أبواب ، وقال مقاتل : { الشفع } الأيام والليالي ، { والوتر } يوم القيامة لأنه لا ليل بعده ، { والوتر } اتحاد صفات الله تعالى ، عز محض وكرم محض ونحوه ، وقيل { الشفع } ، قرآن الحج والعمرة ، { والوتر } الإفراد في الحج ، وقال الحسن : أقسم الله تعالى بالعدد لأنه إما شفع وإما وتر ، وقال بعض المفسرين : { الشفع } حواء { والوتر } آدم عليه السلام ، وقال ابن عباس ومجاهد : { الوتر } صلاة المغرب ، و { الشفع } صلاة الصبح ، وقال أبو العالية : { الشفع } الركعتان من المغرب { والوتر } الركعة الأخيرة ، وقال بعض العلماء : { الشفع } تنفل الليل مثنى مثنى { والوتر } الركعة الأخيرة معروفة ، وقرأ جمهور القراء والناس «والوَتر » بفتح الواو ، وهي لغة قريش وأهل الحجاز ، وقرأ حمزة والكسائي والحسن بخلاف وأبو رجاء وابن وثاب وطلحة والأعمش وقتادة : «والوِتر » بكسر الواو ، وهي لغة تميم وبكر بن وائل ، وذكر الزهراوي أن الأغر رواها عن ابن عباس وهما لغتان في الفرد ، وأما الدخل فإنما هو وتر بالكسر لا غير ، وقد ذكر الزهراوي أن الأصمعي حكى فيه اللغتين الفتح والكسر .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "وَالشّفْعِ والْوَتْرِ وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ" اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من الوتر بقوله : "والْوَتْرِ"؛
فقال بعضهم : الشفع : يوم النحر ، والوتر : يوم عرفة ...
وقال آخرون : الشفع : اليومان بعد يوم النحر ، "والوَتر" : اليوم الثالث ... قال ابن زيد ، في قوله : "والشّفْعِ والْوَتْرِ" قال : الشفع : يومان بعد يوم النحر ، والوتر : يوم النّفْر الآخِر ، يقول الله : "فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأَخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ" .
وقال آخرون : الشفع : الخلق كله ، والوتر : الله ...
عن مجاهد "وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ" قال : كلّ خلق الله شفع ، السماء والأرض ، والبرّ والبحر ، والجنّ والإنس ، والشمس والقمر ، والله الوَتر وحده ...
وقال آخرون : عُنِي بذلك الخلق ، وذلك أن الخلق كله شفع ووتر ...
وقال آخرون : بل ذلك : الصلاة المكتوبة ، منها الشفع كصلاة الفجر والظهر ، ومنها الوتر كصلاة المغرب ...
والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر ، ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر ولا عقل ، وكلّ شفع ووتر فهو مما أقسم به ، مما قال أهل التأويل إنه داخل في قسمه هذا ، لعموم قسمه بذلك .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وروى أحمد والبزار برجال الصحيح عن عياش بن عقبة وهو ثقة عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العشر عشر الأضحى ، والشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة " .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
" ومن الصلاة الشفع والوتر " [ كما جاء في حديث أخرجه الترمذي ] وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو . حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة ، بروح الوجود الساجية ! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة ، وروح الفجر الوضيئة . ...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
...والواقع أن أقرب الأقوال عندي والله أعلم : أنه هو الأول [ الوتر هو الله ] لأنه ثبت علمياً أنه لا يوجد كائن موجود بمعنى الوتر قط حتى الحصاة الصغيرة . .. ...فلم يبق في الكون شيء قط فرداً وتراً بذاته ، إلا ما نص عليه الحديث " إن الله وتر يحب الوتر " ويمكن حمل الحديث على معنى الوتر فيه مستغني بذاته عن غيره ، والواحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله . ... .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ الألف واللام في «الشفع والوتر » إن كانا للتعميم ، فكلّ المعاني تجتمع فيهما ، وكلّ معنى سيكون مصداقا من مصاديق «الشفع » و«الوتر » ، ولا داعي والحال هذه إلى حصر التّفسير بإحدى المعاني المذكورة ، بل كلّ منها تطبيق على مصداق بارز . أمّا إذا كانا للتعريف ، فستكون إشارتهما إلى زوج وفرد خاصين ، وفي هذه الحال سيكون تفسيران من التّفاسير المذكورة أكثر من غيرهما مناسبة وقرباً مع مراد الآية ، وهما : الأوّل : المراد بهما يومي العيد وعرفة ، وهذا ما يناسب ذكر الليالي العشر الاُولى من شهر ذي الحجّة ، وفيهما تؤدى أهم فقرات مناسك الحج . الثّاني : أنّهما يشيران إلى «الصلاة » ، بقرينة ذكر «الفجر » ، وهو وقت السحر ووقت الدعاء والتضرع إلى اللّه عزّ وجلّ . ...