فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ} (3)

{ والشفع والوتر } الشفع والوتر يعمان كل الأشياء شفعها ووترها ، وقيل : شفع الليالي ووترها . وقال قتادة : الشفع والوتر شفع الصلاة ووترها ، منها شفع ومنها وتر . وقيل : الشفع يوم عرفة ويوم النحر ، والوتر ليلة يوم النحر . وقال مجاهد وعطية العوفي : الشفع الخلق ، والوتر الله الواحد الصمد ، وبه قال محمد بن سيرين ومسروق وأبو صالح وقتادة . وقال الربيع بن أنس ، وأبو العالية : هي صلاة المغرب فيها ركعتان ، والوتر الركعة . وقال الضحاك : الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة ، وبه قال عطاء . وقيل : هما آدم وحواء ، لأن آدم كان وتراً فشفع بحوّاء . وقيل : الشفع درجات الجنة وهي ثمان ، والوتر دركات النار وهي سبع ، وبه قال الحسين بن الفضل . وقيل : الشفع الصفا والمروة ، والوتر الكعبة . وقال مقاتل : الشفع الأيام والليالي ، والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده ، وهو يوم القيامة وقال سفيان بن عيينة : الوتر هو الله سبحانه ، وهو الشفع أيضاً لقوله : { مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] الآية . وقال الحسن : المراد بالشفع والوتر العدد كله ، لأن العدد لا يخلو عنهما . وقيل : الشفع مسجد مكة والمدينة ، والوتر مسجد بيت المقدس . وقيل : الشفع حجج القرآن ، والوتر الإفراد . وقيل : الشفع الحيوان لأنه ذكر وأنثى ، والوتر الجماد . وقيل : الشفع ما سمي ، والوتر ما لا يسمى .

ولا يخفاك ما في غالب هذه الأقوال من السقوط البين والضعف الظاهر ، والاتكال في التعيين على مجرّد الرأي الزائف ، والخاطر الخاطئ .

والذي ينبغي التعويل عليه ويتعين المصير إليه ما يدل عليه معنى الشفع والوتر في كلام العرب ، وهما معروفان واضحان ، فالشفع عند العرب الزوج ، والوتر الفرد . فالمراد بالآية إما نفس العدد أو ما يصدق عليه من المعدودات بأنه شفع أو وتر . وإذا قام دليل على تعيين شيء من المعدودات في تفسير هذه الآية ، فإن كان الدليل يدلّ على أنه المراد نفسه دون غيره فذاك ، وإن كان الدليل يدلّ على أنه مما تناولته هذه الآية لم يكن ذلك مانعاً من تناولها لغيره . قرأ الجمهور { وَالْوَتْرِ } بفتح الواو . وقرأ حمزة والكسائي وخلف بكسرها ، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه وهما لغتان ، والفتح لغة قريش وأهل الحجاز ، والكسر لغة تميم . قال الأصمعي : كلّ فرد وتر ، وأهل الحجاز يفتحون فيقولون وتر في الفرد . وحكى يونس عن ابن كثير أنه قرأ بفتح الواو وكسر التاء ، فيحتمل أن تكون لغة ثالثة ، ويحتمل أنه نقل كسرة الراء إلى التاء إجراء للوصل مجرى الوقف .

/خ14