قرأ الأخوان{[60057]} : بكسر الواو من : «الوِتْرِ » .
والباقون : بفتحها ، وهما لغتان ، كالحَبْرِ والحِبْر ، والفتح : لغة قريش ومن والاها ، والكسر : لغة تميم .
وهاتان اللغتان في : «الوتر » ، مقابل «الشفع » ، فأما في «الوتر » بمعنى : التِّرة ، فبالكسر وحده .
قال الزمخشريُّ : ونقل الأصمعي فيه اللغتين أيضاً .
وقرأ أبو عمرو{[60058]} في رواية يونس عنه : بفتح الواو وكسر التاء ، فيحتملُ أن تكون لغة ثالثة ، وأن يكون نقل كسرة الراء إلى التاء ، إجراءً للوصل مجرى الوقف .
قال ابنُ الخطيب{[60059]} : «الشَّفْعُ والوتْرُ » : هو الذي تسميه العرب ، الخساء والركاء ، وتسميه العامة : الزَّوجُ والفَرْدُ .
قال يونس : أهل العالية يقولون : «الوَتْرُ » بالفتح في العدد ، و«الوِتْر » بالكسر في الذحل ، وتميم يقولون : بكسر الواو فيهما ، تقول : «أوترت أوتر إيتاراً » أي : جعلته وتراً ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «من اسْتَجْمرَ فليُوتِرْ »{[60060]} .
واختلف في الشفع والوتر ، فروى عمران بن حصين - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الشَّفعُ والوتر : الصَّلاة مِنْها شَفعٌ ، ومِنهَا وتْرٌ »{[60061]} .
قال جابر بن عبد الله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { والفَجْرِ وليَالٍ عَشْرٍ } قال : «هُو الصُّبْحُ وعَشْرُ النَِّحْرِ ، والوترُ : يومُ عرفَة ، والشَّفعُ : يومُ النَّحْرِ »{[60062]} .
وهو قول ابن عباس وعكرمة ، واختاره النحاس وقال : حديث ابن الزبير عن جابر ، وهو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصح إسناداً من حديث عمران بن حصين ، فيوم عرفة : وتر ؛ لأنه تاسعها ، ويوم النحر : شفع ؛ لأنه عاشرها .
وعن أبي أيوب ، قال : «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { والشفع والوتر } ، قال : «الشَّفْعُ : يَومُ عَرفَةَ ويوْمُ النَِّحْرِ ، والوترُ : ليْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ »{[60063]} .
وقال مجاهدٌ وابنُ السميفع وابنُ عباسٍ : الشفع : خلقه ، قال الله تعالى : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [ النبأ : 8 ] ، والوتْرُ : هو الله عز وجل .
فقيل لمجاهد : أترويه عن أحد ؟ قال : نعم ، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ عن رسول الله عليه وسلم .
ونحوه قال محمدُ بن سيرين ، ومسروق ، وأبُو صالحٍ وقتادةُ ، قالوا : الشَّفع : الخلقُ ، قال تعالى : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والنور والظلمة ، والليل والنهار ، والحر والبرد ، والشمس والقمر ، والصيف والشتاء ، والسماء والأرض ، والإنس والجن ، والوَتْر : هو الله تعالى ، قال تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد } [ الإخلاص : 1 ، 2 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : «إنَّ للهِ تِسْعَة وتسْعِينَ اسْماً ، واللهُ وترٌ يُحِبُّ الوِتْرِ »{[60064]} .
وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - : الشَّفعُ : صلاة الصبح ، والوَتْرُ : صلاة المغرب{[60065]} .
وقال الربيعُ بنُ أنس وأبو العالية : هي صلاة المغرب فالشفع منها : الركعتان الأوليان ، والوتر : الثالثة{[60066]} .
وقال ابنُ الزبير : الشفع : الحادي عشر ، والثاني عشر من أيَّام منى ، والوتر : اليوم الثالث ، قال تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ }{[60067]} [ البقرة : 203 ] .
وقال عطاءٌ والضحاكُ : الشفعُ : عشر ذي الحجة ، والوتر : أيام منى الثلاثة{[60068]} .
وقيل : الشفع والوتر : آدم - عليه الصلاة والسلام - كان وتراً ، فشفع بزوجته حواء ، رواه ابن أبي نجيحٍ ، وحكاه القشيريُّ عن ابن عباس [ رضي الله عنهما . وفي رواية : الشفع آدم وحواء ، والوتر هو الله تعالى{[60069]} .
وقيل : الشفع درجات الجنة ، وهي ثمان ، والوتر هي دركات النار ، وهي سبع ، كأنه أقسم بالجنة والنار . قاله الحسين بن الفضل .
وقيل : الشفع : الصفا والمروة ، والوتر : الكعبة .
وقال مقاتل بن حيان : الشفع الأيام والليالي ، والوتر الذي لا ليلة بعده ، وهو يوم القيامة{[60070]} .
وقيل غير ذلك ]{[60071]} .
قال ابنُ الخطيبِ{[60072]} : كل هذه الوجوه محتملة ، والظاهر لا شعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين ، فإن ثبت في شيء منها خبرٌ عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، أو إجماع من أهل التأويل ، حكم بأنه المراد ، وإن لم يثبت ، وجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز ؛ لا على القطع ، ولقائل أن يقول : إني أحمل الكلام على الكل ؛ لأن الألف واللام في : «الشفع والوتر » يفيد العموم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.