اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ} (3)

1

قوله : { والشفع والوتر } .

قرأ الأخوان{[60057]} : بكسر الواو من : «الوِتْرِ » .

والباقون : بفتحها ، وهما لغتان ، كالحَبْرِ والحِبْر ، والفتح : لغة قريش ومن والاها ، والكسر : لغة تميم .

وهاتان اللغتان في : «الوتر » ، مقابل «الشفع » ، فأما في «الوتر » بمعنى : التِّرة ، فبالكسر وحده .

قال الزمخشريُّ : ونقل الأصمعي فيه اللغتين أيضاً .

وقرأ أبو عمرو{[60058]} في رواية يونس عنه : بفتح الواو وكسر التاء ، فيحتملُ أن تكون لغة ثالثة ، وأن يكون نقل كسرة الراء إلى التاء ، إجراءً للوصل مجرى الوقف .

فصل في الشفع والوتر

قال ابنُ الخطيب{[60059]} : «الشَّفْعُ والوتْرُ » : هو الذي تسميه العرب ، الخساء والركاء ، وتسميه العامة : الزَّوجُ والفَرْدُ .

قال يونس : أهل العالية يقولون : «الوَتْرُ » بالفتح في العدد ، و«الوِتْر » بالكسر في الذحل ، وتميم يقولون : بكسر الواو فيهما ، تقول : «أوترت أوتر إيتاراً » أي : جعلته وتراً ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «من اسْتَجْمرَ فليُوتِرْ »{[60060]} .

واختلف في الشفع والوتر ، فروى عمران بن حصين - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الشَّفعُ والوتر : الصَّلاة مِنْها شَفعٌ ، ومِنهَا وتْرٌ »{[60061]} .

قال جابر بن عبد الله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { والفَجْرِ وليَالٍ عَشْرٍ } قال : «هُو الصُّبْحُ وعَشْرُ النَِّحْرِ ، والوترُ : يومُ عرفَة ، والشَّفعُ : يومُ النَّحْرِ »{[60062]} .

وهو قول ابن عباس وعكرمة ، واختاره النحاس وقال : حديث ابن الزبير عن جابر ، وهو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصح إسناداً من حديث عمران بن حصين ، فيوم عرفة : وتر ؛ لأنه تاسعها ، ويوم النحر : شفع ؛ لأنه عاشرها .

وعن أبي أيوب ، قال : «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { والشفع والوتر } ، قال : «الشَّفْعُ : يَومُ عَرفَةَ ويوْمُ النَِّحْرِ ، والوترُ : ليْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ »{[60063]} .

وقال مجاهدٌ وابنُ السميفع وابنُ عباسٍ : الشفع : خلقه ، قال الله تعالى : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } [ النبأ : 8 ] ، والوتْرُ : هو الله عز وجل .

فقيل لمجاهد : أترويه عن أحد ؟ قال : نعم ، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ عن رسول الله عليه وسلم .

ونحوه قال محمدُ بن سيرين ، ومسروق ، وأبُو صالحٍ وقتادةُ ، قالوا : الشَّفع : الخلقُ ، قال تعالى : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والنور والظلمة ، والليل والنهار ، والحر والبرد ، والشمس والقمر ، والصيف والشتاء ، والسماء والأرض ، والإنس والجن ، والوَتْر : هو الله تعالى ، قال تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد } [ الإخلاص : 1 ، 2 ] .

وقال صلى الله عليه وسلم : «إنَّ للهِ تِسْعَة وتسْعِينَ اسْماً ، واللهُ وترٌ يُحِبُّ الوِتْرِ »{[60064]} .

وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - : الشَّفعُ : صلاة الصبح ، والوَتْرُ : صلاة المغرب{[60065]} .

وقال الربيعُ بنُ أنس وأبو العالية : هي صلاة المغرب فالشفع منها : الركعتان الأوليان ، والوتر : الثالثة{[60066]} .

وقال ابنُ الزبير : الشفع : الحادي عشر ، والثاني عشر من أيَّام منى ، والوتر : اليوم الثالث ، قال تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ }{[60067]} [ البقرة : 203 ] .

وقال عطاءٌ والضحاكُ : الشفعُ : عشر ذي الحجة ، والوتر : أيام منى الثلاثة{[60068]} .

وقيل : الشفع والوتر : آدم - عليه الصلاة والسلام - كان وتراً ، فشفع بزوجته حواء ، رواه ابن أبي نجيحٍ ، وحكاه القشيريُّ عن ابن عباس [ رضي الله عنهما . وفي رواية : الشفع آدم وحواء ، والوتر هو الله تعالى{[60069]} .

وقيل : الشفع درجات الجنة ، وهي ثمان ، والوتر هي دركات النار ، وهي سبع ، كأنه أقسم بالجنة والنار . قاله الحسين بن الفضل .

وقيل : الشفع : الصفا والمروة ، والوتر : الكعبة .

وقال مقاتل بن حيان : الشفع الأيام والليالي ، والوتر الذي لا ليلة بعده ، وهو يوم القيامة{[60070]} .

وقيل غير ذلك ]{[60071]} .

قال ابنُ الخطيبِ{[60072]} : كل هذه الوجوه محتملة ، والظاهر لا شعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين ، فإن ثبت في شيء منها خبرٌ عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، أو إجماع من أهل التأويل ، حكم بأنه المراد ، وإن لم يثبت ، وجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز ؛ لا على القطع ، ولقائل أن يقول : إني أحمل الكلام على الكل ؛ لأن الألف واللام في : «الشفع والوتر » يفيد العموم .


[60057]:ينظر : السبعة 683، والحجة 6/402، وإعراب القراءات 2/476 وإعراب القراءات 761.
[60058]:ينظر: البحر المحيط 8/463، والدر المصون 6/518.
[60059]:الفخر الرازي 31/148.
[60060]:تقدم.
[60061]:أخرجه أحمد (4/442) والترمذي (3342) والحاكم (2/522) والطبري في "تفسيره" (12/563) من طريق قتادة عن عمران بن عصام عن شيخ من أهل البصرة عن عمران بن حصين به وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا تعرفه إلا من حديث قتادة.
[60062]:ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/140) وقال: رواه البزار وأحمد ورجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقة.
[60063]:ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/140) وقال:رواه الطبراني في حديث طويل وفيه واصل بن السائب وهو متروك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/582) وزاد نسبته إلى ابن مردويه بسند ضعيف.
[60064]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/562) عن ابن عباس ومجاهد والحسن وأبي صالح. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/581) عن مجاهد وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره عن أبي صالح وعزاه إلى عبد بن حميد.
[60065]:تقدم تخريجه.
[60066]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/28) عن ابن عباس.
[60067]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/563) عن الربيع بن أنس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/581) عن أبي العالية وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه. وينظر تفسير الماوردي (6/266) والقرطبي (20/28).
[60068]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/562) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/582) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60069]:ذكره الماوردي (6/266) والقرطبي (20/28).
[60070]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/28).
[60071]:سقط من ب.
[60072]:الفخر الرازي 31/149.