فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ} (3)

{ والشفع والوتر } هما يَعُمَانِ الأشياء كلها شفعها ووترها ، كالكفر والإيمان ، والهدى والضلال ، والسعادة والشقاوة ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والبر والبحر ، والشمس والقمر ، والجن والإنس ، وقيل شفع الليالي ووترها ، وقال قتادة الشفع والوتر شفع الصلاة ووترها منها شفع ومنها وتر ، وقيل الشفع يوم عرفة ويوم النحر ، والوتر ليلة يوم النحر ، وقال مجاهد وعطية العوفي الشفع الخلق والوتر الله الواحد الصمد وبه قال محمد بن سيرين ومسروق وأبو صالح وقتادة ، وقال الربيع بن أنس وأبو العالية هي صلاة المغرب فيها ركعتان الوتر الركعة .

وقال الضحاك الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة ، وبه قال عطاء وقيل هما آدم وحواء لأن آدم كان وترا فشفع بحواء ، وقيل الشفع درجات الجنة وهي ثمان والوتر دركات النار وهي سبع وبه قال الحسين بن الفضل وقيل الشفع الصفا والمروة والوتر الكعبة ، وقال مقاتل الشفع الأيام والليالي والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة .

وقال سفيان بن عيينة الوتر هو الله سبحانه ، وهو الشفع أيضا لقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } الآية وقال الحسن المراد بالشفع والوتر العدد كله لأن العدد لا يخلو عنهما ، وقيل الشفع مسجد مكة والمدينة ، والوتر مسجد بيت المقدس ، وقيل الشفع حج القران والوتر الإفراد ، وقيل الشفع الحيوان لأنه ذكر وأنثى والوتر الجماد ، وقيل الشفع ما سمي ، والوتر ما لم يسم .

ولا يخفاك ما في غالب هذه الأقوال من السقوط البين ، والضعف الظاهر ، والاتكال في التعيين على مجرد الرأي الزائف والخاطر الخاطئ ، والذي ينبغي التعويل عليه ويتعين المصير إليه ما يدل عليه معنى الشفع والوتر في كلام العرب وهما معروفان واضحان ، فالشفع عند العرب الزوج ، والوتر الفرد .

فالمراد بالآية إما نفس العدد أو ما يصدق عليه من المعدودات بأنه شفع أو وتر ، وإذا قام دليل على تعيين شيء من المعدودات في تفسير هذه الآية فإن كان الدليل يدل على أنه المراد نفسه دون غيره فذاك ، وإن كان الدليل يدل على أنه مما تناولته هذه الآية لم يكن ذلك مانعا من تناولها لغيره .

عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر ، فقال : " هو الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر " أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن عمران{[1711]} .

وقد روي عن عمران بن عصام عن عمران بن حصين بإسقاطه الرجل المجهول ، وقال الترمذي في الرواية الأولى غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة .

قال ابن كثير وعندي أن وقفه على عمران أشبه والله تعالى أعلم ، قال ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير هذا الحديث موقوفا على عمران ، فهذا يقوي ما قاله ابن كثير .

وعن جابر مرفوعا " أن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر " أخرجه أحمد والنسائي والبزار والحاكم وصححه وغيرهم .

وعن ابن عباس قال كل شيء شفع فهو اثنان ، والوتر واحد . وعن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سئل عن الشفع والوتر فقال يومان وليلة يوم عرفة ويوم النحر ، والوتر ليلة النحر ليلة جمع " أخرجه الطبراني وابن مردويه ، قال السيوطي بسند ضعيف .

وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " الشفع اليومان والوتر اليوم الثالث " أخرجه ابن جرير ، وعن ابن الزبير قال الشفع قول الله { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } والوتر اليوم الثالث وفي لفظ الوتر أوسط أيام التشريق .

وعن ابن عباس قال الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة .

قرأ الجمهور الوتر بفتح الواو ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بكسرها وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه ، وهما لغتان ، والفتح لغة قريش وأهل الحجاز ، والكسر لغة تميم . قال الأصمعي كل فرد وتر ، وأهل الحجاز يفتحون فيقولون وتر في الفرد ، وحكى يونس عن ابن كثير قرأ بفتح الواو وكسر التاء فيحتمل أن يكون لغة ثالثة . ويحتمل أنه نقل كسرة الراء إلى التاء إجراء للوصل مجرى الوقف .


[1711]:رواه أحمد في "المسند" 4/ 442 من حديث همام عن قتادة عن عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري، عن شيخ أهل البصرة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه. ورواه أيضا الترمذي 2/ 170 من حديث همام عن قتادة به، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة، وقد رواه خالد بن قيس أيضا عن قتادة به، ورواه ابن جرير الطبري 30/ 172 عن خالد بن قيس عن قتادة به، والحاكم في "المستدرك" 2/ 522 من حديث همام عن قتادة به، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وفيه نظر، لأن الراوي عن عمران بن حصين مجهول، ولم يوثقه إلا ابن حبان. وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 346 وزاد نسبته لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عمران بن حصين رضي الله عنه.