المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

24- إلا قولا مقترناً بمشيئة الله بأن تقول : إن شاء الله ! وإذا نسيت أمراً فتدارك نفسك بذكر الله ، وقل عند اعتزامك أمراً وتعليقه على مشيئة الله : عسى أن يوفقني ربي إلى أمر خير مما عزمت عليه وأرشد منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا ، وذلك محذور محظور ، لأن المشيئة كلها لله { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } ولما في ذكر مشيئة الله ، من تيسير الأمر وتسهيله ، وحصول البركة فيه ، والاستعانة من العبد لربه ، ولما كان العبد بشرا ، لا بد أن يسهو{[487]}  فيترك ذكر المشيئة ، أمره الله أن يستثني بعد ذلك ، إذا ذكر ، ليحصل المطلوب ، وينفع المحذور ، ويؤخذ من عموم قوله : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } الأمر بذكر الله عند النسيان ، فإنه يزيله ، ويذكر العبد ما سها عنه ، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله ، أن يذكر ربه ، ولا يكونن من الغافلين ، ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة ، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله ، أمره الله أن يقول : { عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } فأمره أن يدعو الله ويرجوه ، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد . وحري بعبد ، تكون هذه حاله ، ثم يبذل جهده ، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد ، أن يوفق لذلك ، وأن تأتيه المعونة من ربه ، وأن يسدده في جميع أموره .


[487]:- كذا في ب، وفي أ: يسهي.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

قال القرطبى : قال العلماء : عاتب الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذى القرنين : غدا أخبركم بجواب أسئلتكم ، ولم يستثن فى ذلك .

فاحتبس الوحى عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه ، وأرجف الكفار به ، فنزلت عليه هذه السورة مفرِّجة . وأُمِر فى هذه الآية ألا يقول فى أمر من الأمور إنى أفعل غدا كذا وكذا ، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله - عز وجل - حتى لا يكون محققا لحكم الخبر ، فإنه إذا قال : لأفعلن ذلك ولم يفعل : كان كاذبا ، وإذا قال ، لأفعلن ذلك - إن شاء الله - خرج عن أن يكون محققا للمخبر عنه .

والمراد بالغد : ما يستقبل من الزمان ، ويدخل فيه اليوم الذى يلى اليوم الذى أنت فيه دخولا أوليا . وعبر عما يستقبل من الزمان بالغد للتأكيد .

أى : ولا تقولن - أيها الرسول الكريم - لأجل شئ تعزم على فعله فى المستقبل : إنى فاعل ذلك الشئ غدا ، إلا وأنت مقرن قولك هذا بمشيئة الله - تعالى - وإذنه ، بأن تقول : سأفعل هذا الشئ غدا بإذن الله ومشيئته ، فإن كل حركة من حركاتك - ومن حركات غيرك - مرهونة بمشيئة الله - وإرادته ، وما يتعلق بمستقبلك ومستقبل غيرك من شئون ، هو فى علم الله - تعالى - وحده .

وليس المقصود من الآية الكريمة نهى الإِنسان عن التفكير فى أمر مستقبله ، وإنما المقصود نهيه عن الجزم بما سيقع فى المستقبل ، لأن ما سيقع علمه عند الله - تعالى - وحده .

والعاقل من الناس هو الذى يباشر الأسباب التى شرعها الله - تعالى - سواء أكانت هذه الأسباب تتعلق بالماضى أم بالحاضر أم بالمستقبل ، ثم يقرن كل ذلك بمشيئة الله - تعالى - وإرادته . فلا يقول : سأفعل غدا كذا وكذا لأننى أعددت العدة لذلك ، وإنما يقول : سأفعل غدا كذا وكذا إذا شاء الله - تعالى - ذلك وأراد ، وأن يوقن بأن إرادة الله فوق إرادته ، وتدبيره - سبحانه - فوق كل تدبير .

وكم من أمور أعد الإِنسان لها أسبابها التى تؤدى إلى قضائها . . ثم جاءت إرادة الله - تعالى - فغيرت ما أعده ذلك الإِنسان ، لأنه لم يستشعر عند إعداده للأسباب أن . إرادة الله - تعالى - فوق إرادته ، وأنه - سبحانه - القادر على خرق هذه الأسباب ، وخرق ما تؤدى إليه ، ولأنه لم يقل عندما يريد فعله فى المستقبل ، إن شاء الله .

وقوله : { واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } تأكيد لما قبله أى : لا تقولن أفعل غدا إلا ملتبسا بقول : إن شاء الله ، واذكر ربك - سبحانه - إذا نسيت تعليق القول بالمشيئة ، أى : عند تذكرك بأنك لم تقرن قولك بمشيئة الله ، فأت بها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

( واذكر ربك إذا نسيت ) . . إذا نسيت هذا التوجيه والاتجاه فاذكر ربك وارجع إليه .

( وقل : عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ) . . من هذا النهج الذي يصل القلب دائما بالله ، في كل ما يهم به وكل ما يتوجه إليه .

وتجيء كلمة ( عسى ) وكلمة ( لأقرب ) للدلالة على ارتفاع هذا المرتقى ، وضرورة المحاولة الدائمة للاستواء عليه في جميع الأحوال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

وقوله { إلا أن يشاء الله } في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ، ويحسنه الإيجاز ، تقديره : إلا أن تقول إلا أن يشاء الله ، أو إلا أن تقول إن شاء الله ، فالمعنى إلا أن تذكر مشيئة الله ، فليس { إلا أن يشاء الله } من القول الذي نهي عنه وقالت فرقة : قوله { إلا أن يشاء الله } استثناء من قوله { ولا تقولن } وهذا قول حكاه الطبري ورد عليه ، وهو من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكى{[7783]} ، وقوله { واذكر ربك إذا نسيت } قال ابن عباس والحسن معناه ، والإشارة به إلى الاستثناء أي ولتستثن بعد مدة ، إذا نسيت الاستثناء أولاً لتخرج من جملة من لم يعلق فعله بمشيئة الله ، وقال عكرمة : المعنى واذكر ربك إذا غضبت ، وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين ، والآية ليست في الأيمان ، وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين ، ولكن من حيث تكلم الناس فيها ، ينبغي أن نذكر شيئاً من ذلك ، أما مالك رحمه الله وجميع أصحابه ، فيما علمت ، وكثير من العلماء ، فيقولون لا ينفع الاستثناء ويسقط الكفّارة إلا أن يكون متصلاً باليمين ، وقال عطاء له أن يستثني في قدر حلب الناقة الغزيرة ، وقال قتادة إن استثنى قبل أن يقول أو يتكلم فله ثنياه ، وقال ابن حنبل له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر ، وقاله ابن راهويه ، وقال طاوس والحسن ينفع الاستثناء ما دام الحالف في مجلسه ، وقال ابن جبير ينفع الاستثناء بعد أربعة أشهر فقط ، وقال ابن عباس ينفع الاستثناء ولو بعد سنة ، وقال مجاهد بعد سنتين ، وقال أبو العالية ينفع أبداً ، واختلف الناس في التأويل على ابن عباس ، فقال الطبري وغيره إنما أراد ابن عباس أنه ينفع في أن يحصل الحالف في رتبة المستثنين بعد سنة من حلفه ، وأما الكفارة فلا تسقط عنه ، قال الطبري ولا أعلم أحداً يقول ينفع الاستثناء بعد مدة ، يقول بسقوط الكفارة ، قال ويرد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيراً منها فليكفر وليأت الذي هو خير »{[7784]} فلو كان الاستثناء يسقط الكفارة لكان أخف على الأمة ، ولم يكن لذكر الكفارة فائدة ، وقال الزهراوي : إنما تكلم ابن عباس في أن الاستثناء بعد سنة لمن قال أنا أفعل كذا . . . لا لحالف أراد حل يمينه ، وذهبت فرقة من الفقهاء إلى أن مذهب ابن عباس سقوط الكفارة وألزموا كل من يقول ينفع الاستثناء بعد مدة ، إسقاط الكفارة ، وردوا على القول بعد إلزامه ، وليس الاستثناء إلا في اليمين بالله ، لا يكون في طلاق ونحوه ، ولا في مشي إلى مكة ، هذا قول مالك وجماعة ، وقال الشافعي وأصحاب الرأي وطاوس وحماد الاستثناء في ذلك جائز ، وليس في اليمين الغموس{[7785]} استثناء ينفع ، ولا يكون الاستثناء بالقول ، وإنما يكون قولاً ونطقاً ، وقوله { وقل عسى } الآية ، قال محمد الكوفي المفسر : إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن ، وإنها كفارة لنسيان الاستثناء ، وقال الجمهور هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص ، وقرأ الجمهور «يهديني » بإثبات الياء ، وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو ، وقرأ طلحة من مصرف دون ياء في الوصل ، وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ، والإشارة بهذا إلى الاستدراك الذي يقع من ناسي الاستثناء . وقال الزجاج المعنى عسى أن ييسر الله من الأدلة على نبوتي أقرب من دليل أصحاب الكهف .

قال القاضي أبو محمد : وما قدمته أصوب ، أي عسى أن يرشدني فيما أستقبل من أمري وهذه الآية مخاطبة للنبي عليه السلام ، وهي بعد تعم جميع أمته ، لأنه حكم يتردد الناس بكثرة وقوعه والله الموفق .


[7783]:هذا نص كلام الطبري: "وكان بعض أهل العربية يقول: جائز أن يكون معنى قوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء من القول، لا من الفعل، كأن معناه عنده: لا تقولن قولا إلا أن يشاء الله ذلك القول. وهذا وجه بعيد من المفهوم بالظاهر من التنزيل ، مع خلافه تأويل أهل التأويل"، وممن قال ذلك الزمخشري، قال: "إن الاستثناء متعلق بالنهي لا بالفعل، وتعلقه به على وجهين: أحدهما ولا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن ذلك فيه، والثاني ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله، أي: إلا بمشيئته، وهو في موضع الحال، أي: إلا متلبسا بمشيئة الله قائلا إن شاء الله"، أما ما اختاره المؤلف فهو رأي الكسائي، والفراء والأخفش.
[7784]:أخرجه أحمد في مسنده، ومسلم، والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورمز له الإمام السيوطي في (الجامع الصغير) بأنه صحيح.
[7785]:اليمين الغموس: الكاذبة، تغمس صاحبها في الإثم، وفي الحديث الشريف: (اليمين الغموس تذر الديار بلاقع)، وفي البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس، قلت: و ما اليمين الغموس؟ قال: التي يقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها كاذب.