تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

الآيتان23و24 : وقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } { إلا أن شاء الله } لو كان فُهِمَ الخطاب على ظاهر ما خُرِّجَ لكان في قوله : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } { إلا أن يشاء الله } نهي عن العدة بالثنيا . فإن لم يُفْهَم هذا ، ولكن فهموا { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } إلا أن تقول { إلا أن يشاء الله }{[11509]} على إضمار القول ؛ دل أن الخطاب ليس يُحمل على ظاهر المخرج ، ولكن على ما توجبه الحكمة . والدليل ثم نهي ( عن عدة لا{[11510]} ) يستثنى فيها . وقاس بعض الناس الأيمان على العدات ، فيقول : إذا حلف فإنه يلزمه أن يستثني فيها . وذلك فاسد لأن الأيمان تخرج على تعظيم الرب وإجلاله ، فلا يجوز أن يؤمر بالثنيا فيها ، لأن الثنيا نقض ذلك التعظيم .

وكذلك ما روي : ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {[11511]} ) ( إذا حلفتم فاحلفوا بالله ) بنحوه مسلم1646/3 ( ولا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت ) ( مسلم1648 ) نهى عن الحلف بغير الله لما في الحلف به تعظيم لذلك الشيء . وأما العدة فإنما هي إضافة الفعل إلى نفسه ، وهو لا يملك حقيقته{[11512]} لذلك أمر أن يلحق الثنيا فيه لئلا يلحقه الخُلْفُ في الوعد ، إذ لم يفعل وعد . وعلى ذلك ذُكِرَ من الأنبياء أنهم إذا وعدوا اسْتَثْنَوْا فيه كقول موسى : { ستجدني إن شاء الله صابرا } الآية( الكهف : 69 ) ثم إذا لم يصبر لم يعاتبه بترك الصبر ، ولو كان خُلْفًا لعاتبه{[11513]} كما عاتب صاحب موسى ( موسى حين{[11514]} ) { قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا } ( الكهف : 72 ) .

وقد ظهر من الأنبياء والرسل الأيمان والأقسام{[11515]} ، ثم لم يُذْكَر عن أحد منهم الثنيا في ذلك . دل أن الثُّنْيَا في ذلك . دل أن الثنيا في العِدات لازمة وفي الأيمان لا .

وفي قوله : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } { إلا أن يشاء الله } دلالة أن يكون شيء إلا بمشيئة الله حين{[11516]} ندبه إلى الثنيا . ثم إذا خرج على غير ما وعد ، يلحقه{[11517]} الخُلْفُ في الوعد ، دلَّ أنه قد شاء ذلك ، وأنه إذا لم يشأ شيئا لم يكن ، لأنه لو كان ( الحادث شيئا لم يشأه ){[11518]} هو ، أو شاء شيئا ، فلم يكن ، لم يكون لقوله : { إلا أن يشاء الله } معنى إذا كان لم يشأ هو ، ولم يكن ما هو شاء . دل ( أن ما ){[11519]} شاء هو كان ، وما لم يشأ لم يكن /310- ب/ .

وفيه أنه قد شاء كل طاعة وخير من العبد . فلو لم يشأ ما ليس بطاعة لكان لا يستثني . وقد علم أنه قد شاء ذلك . فدلت ثُنْيَاه على أنه قد يشاء ما ليس بطاعة إذا علم أنه يختار ذلك ، وذلك ( نقض ){[11520]} على المعتزلة .

فإن قيل : إنما أمر بالثنيا في العدة لما لعله سيموت قبل أن يفعل ما وعد ، أو تذهب عنه القدرة ، فيعجز عما وعد ، قيل إن الأوهام لا ترجع إلى ذلك ، بل الإمكان مشروط فيه ، وإن لم يذكر . فعلى ذلك في العدات والأيمان وغيرها .

وجائز أن يكون المراد بهذا الخطاب غير النبي ، وهو الأشبه ، لما لا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يَعِدُ عِدَةً ، ولا يذكر الثنيا لما لا يعرف ألا يكون شيء إلا بمشيئة الله وإرادته .

وأما غير النبي فجائز إلا يعرف ذلك . لذلك كان غيره أولى بما{[11521]} يخرج منه على التعريف لهم أو للتعليم{[11522]} .

وقوله تعالى : { واذكر ربك إذا نسيت } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما { واذكر ربك إذا نسيت } أي إذا ذكرته بعد ما نسيته فاذكره كقوله { وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم لظالمين } ( الأنعام : 68 ) فعلى ذلك هذا .

والثاني { واذكر ربك إذا نسيت } أي ( اذكر ){[11523]} الثنيا في آخر الكلام { إذا نسيت } ( في أوله ){[11524]} أعني الثنيا . إذ المستحب أن يستثني في أول كلامه على التَّبَرُكِ كقوله { وإنا إن شاء الله لمهتدون } ( البقرة : 70 ) استثنوا أولا ثم وعدوا . فهو المستحب . فكأنه قال : { واذكر ربك } الثنيا في آخر كلامك { إذا نسيت } في أوله وهو الثنيا .

وهذا يرد على أصحاب الظاهر ، لأن ظاهر الكتاب أن يخاطبهم بذكره إذا نسوا ، ولا يجوز أن يخاطب أحد{[11525]} في حال نسيانه . فإذا لم يُفْهَمُ من هذا ، هذا دل أنه لا يفهم على ما خرج ظاهره ، ولكن على ما يصح ، ويوجب الحكمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا } قال بعضهم : إن { وقل عسى أن يهدين ربي } الآية هي أوضح على دلالة رسالتي وآخذ مما تسألونني من أمر أصحاب الكهف ؛ لأنهم كانوا{[11526]} يسألونه عن خبرهم ، فيستدلون على رسالته وصدقه ، ويقول : { قل إنني هداني ربي } الآية { الأنعام : 161 ) على دلالة رسالتي ( التي هي ){[11527]} أوضح مما تسألونني وآخذ للقلوب ، إذ كانت له آيات حسيات على رسالته .

وقال الحسن : قوله { وقل عسى } عسى من الله واجب ؛ أي قد هداني ربي الرشد والصواب . وأما غيره من أهل التأويل فيقولون{[11528]} : إنه وعد لأولئك أن يخبرهم إذا عما يسألون ، وقال : { عسى أن } يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد الذي وعدت ، والله أعلم .


[11509]:في الأصل:{إلا أن يشاء الله}في م: إلا أن تقولوا: إن شاء الله.
[11510]:في الأصل و.م: إن عدة ولا.
[11511]:ساقطة من الأصل و.م.
[11512]:في الأصل و.م: حقيقة.
[11513]:في الأصل و.م: لعاقبه.
[11514]:في الأصل و م: حيث
[11515]:في الأصل و م: والقسم.
[11516]:؟؟؟؟
[11517]:أدرج ما قبلها في الأصل و م: لم.
[11518]:في الأصل و م: شيئا لم يشاء.
[11519]:في الأصل: أنه إن، في م أنه.
[11520]:ساقطة من الأصل و.م.
[11521]:في الأصل و.م: به.
[11522]:في الأصل و.م: العلم.
[11523]:ساقطة من الأصل و.م.
[11524]:في الأصل و.م: وله.
[11525]:في الأصل و.م: أحدا.
[11526]:في الأصل و.م: قالوا.
[11527]:ساقطة من الأصل و.م.
[11528]:الفاء ساقطة من الأصل و.م.