مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَهۡدِيَنِ رَبِّي لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَٰذَا رَشَدٗا} (24)

{ إِلاَّ أَن يَشَاء الله } أن تقوله بأن يأذن ذلك لك فيه ، أو ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله أي إلا بمشيئته ، وهو في موضع الحال أي إلا ملتبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله . وقال الزجاج : معناه : ولا تقولن إني أفعل ذلك إلا بمشيئة الله تعالى ، لأن قول القائل «أنا أفعل ذلك إن شاء الله » معناه : لا أفعله إلا بمشيئة الله ، وهذا نهي تأديب من الله لنبيه حين قالت اليهود لقريش : سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال : ائتوني غداً أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه { واذكر رَّبَّكَ } أي مشيئة ربك وقل إن شاء الله { إِذَا نَسِيتَ } إذا فرط منك نسيان لذلك ، والمعنى إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر ، عن الحسن : مادام في مجلس الذكر . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ولو بعد سنة . وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء ، فأما الاستثناء المغير حكماً فلا يصح إلا متصلاً ، وحُكي أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة رحمه الله خالف ابن عباس رضي الله عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة : هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك ؟ فاستحسن كلامه وأمر الطاعن فيه بإخراجه من عنده . أو معناه واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء تشديداً في البعث على الاهتمام بها ، أو صل صلاة نسيتها إذا ذكرتها ، أو إذا نسيت شيئاً فاذكره ليذكرك المنسي { وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِى رَبّى لأَِقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا } يعني إذا نسيت شيئاً فاذكر ربك ، وذكر ربك عند نسيانه أن تقول : عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشداً وأدنى خيراً ومنفعه . { أن يهدين } ، { إن ترن } ، { أن يؤتين } ، { أن تعلمن } . مكى في الحالين ، ووافقه أبو عمرو ومدني في الوصل .